إعادة النظر بالمقاطعة الإستراتيجية
483 viewsمع تنامي عدم الرضى الجماهيري المثلي من الوضع القائم بالأسواق التجارية المثلية والشبه-مثلية بلبنان، بحس أنا شخصياً بنوع من المسؤولية نظراً للمقالات والشعارات اللّي كنت أطلقتها من منبر بخصوص وحتّى خارج الشبكة العنكبوتية (مرجع: السوق المثلي:أموالنا مقابل ماذا؟).
بس متل أي مجهود للحشد، لازم قدر الإمكان مراجعة الأفكار والإستراتيجيات والطرق على أمل توصّلنا عالطاحون. وهون قبل ما بلّش إكتب/إحكي بحب وضّح للشباب المثلي كلّه إنّو، عالقليلة أنا شخصياً، كتير بيكبر قلبي بالناس اللّي بترفض الغبن، خصوصي مع العلم إنّو هالنَفَس جديد على التاريخ المثلي اللّي أنا بعرفه.
وهلّق، الخطوة التانية بتشترط إنّو نحدد الإطار. بالأسابيع القليلة الماضية وصلّني (ولكتير غيري، مش هلقد مهمّة أنا) أخبار عن حادثتين، قرر فيها مثليين ومثليات مقاطعة هالمؤسسة أو هيديك. الحادثة الأولى أصبحت تعرف بواقعة كيان (مرجع: Beware our Boycott Power) والتانية ما تم الإعلان عنّا بأيّ صرح عام، فما رح إعلن عنّا أنا.
بس الدعوات للمقاطعة ما كتير حرّكت عالم من الجماعة المثلية، وحتّى إنّو طلعت أصوات تقول للشباب إنّو تروق شوي. ليش؟
١– الدعوات للمقاطعة منقوصة:
متل ما قالت شاكس بالمقال اللّي صدر الأسبوع الماضي (مرجع:On the Hypocrisy of Gay Activism)، النداءات المتكررة للمقاطعة عم تركّز على مجموعة محددة من الرجال المثليين الميسورين (وإن نسبياً) اللّي عايشين حياتن (وإن نسبياً). تجارب هالمثليين ما عم تنعكس على سائر المجموعات اللّي بترزح تحت مظالم متقاطعة من الذكورية، رهاب العمالة الجنسية، رهاب التحوّل الجنسي. بمعنى تاني، لمّا مرا ترانس تنشحط وتنسب، المجموعة المثلية بتتجاهل الموضوع، تما نقول بتبزق بوجّ المظلومين وبتتهمن إنّو جابوا هالشي عحالن (وهيي حجة ما زهق المجتمع العام يستعملا ضدنا). فكركن عم بالغ؟ شو رأيكن بالتعليق اللّي انكتب عمقال شاكس ، وهون اللّي مش فاهم فظاعة هالتعليق، بنصحه يقرى هيدا المقال: Une Journee Dans la Vie d’une Transsexuelle).
٢– الإستضحاء المثلي وحدود التقبّل المثلي:
ولمّا إحكي بالإستضحاء بكون عم بحكي عن هيدي اللايتموتيف المثلية اللّي منضل نعيدا ونكررا، إنّو نحنا الضحية، وما حدا بيحبنا، وكل الناس ضدنا، والكل عم يستغلّنا. مش لأنّو السوق المثلي مش سهل الإستغلال، ومش لأنّو نحنا مش عم ننظلم، بس مين ظالمنا؟ هل كل مين قلّنا ما تبوّسوا بعض قدّام العالم صار الشيطان الأعظم؟ هل كل مؤسسة ربحية بترفض تخاطر كرمالنا بتكون ظالمتنا؟ ولّا هوّي المجتمع اللّي لازم نواجهه قبل المؤسسات؟ أو بنفس الوقت اللّي منواجه فيه المؤسسات؟
كل ما نحكي عن مقاطعة بيطلع مين يقلّنا نروق وإنّو ما نفش خلقنا بالمؤسسات والبارات. وهيدا النقطة كتير بتستلزم تفكير، وبتوصّلنا للفكرة التالية.
٣– المقاطعة مش كلمة بالتم ومش لازم تكون ردّ فعل آني:
فعلياً المقاطعة هيي نوع من إعلان الحرب الإقتصادية. وبالتالي بتستلزم كتير من التحضير الإيديولوجي والتخطيط العملي والمسؤولية. أوّلاً، بدنا نحضر كرمال نعرف مين بدّنا نقاطع، كرمال إنّو ما نظلم مؤسسات “غير شريرة” أو سائر أعضاء المجموعات المثلية (مراجعة النقطة رقم ٤). لازم تكون حججنا كاملة وقوية ومقنعة، وإلّا ما ممكن نقنع حتّى حالنا. والمقاطعة ما بتتقرر بلحظة اللحظة ولا تحت تأثير المواد الكيميائية.
بس كمان لازم يتم التخطيط للمقاطعة، ما بيكفي نبلّش فايسبوك غروب مثلاً. المقاطعة مش بس الإمتناع عن إرتياد مكان معيّن. المقاطعة هيّي نوع من تنازع السلطة بيننا وبين المؤسسة، ومساومة بيننا وبين سائر أعضاء الجماعة المثلية (مراجعة النقطة رقم ٤). وأهم شي، المقاطعة هو مجهود مبادِر لإثبات إمكانية خلق مساحات مستدامة للتفاعل الصحي (مراجعة رقم ٧).
وبالتالي المقاطعة مش بالضرورة خطوة سلبية تختصر بإنّو نحنا (وغيرنا) مش لازم نروح لهيدا المحل، هيّي كمان وين لازم نروح، وبأي شروط، وشو قادرين نأمّن مقابل القبول بشروطنا.
٤– المسؤولية تجاه مجموع الجماعة المثلية:
لبنان مش قبلة مثلية، ومش جنّة للمثليين، وأكيد مش للمثليات، وهوّي حتّى جحيم لمتحولات الجنس. مساحات التقبّل اللّي بيتمتّع فيها مثليي/ات الميول ومتحولي/ات الجنس بلبنان قليلة، ومنها المقاهي والبارات المثلية والترانس. فإعلان الحرب على بعض هالأماكن لازم يكون خطوة مدروسة، حفاظاً عالقليل اللّي عنّا ياه، بس كمان تفادياً لتعريض نفسنا للسخرية من قبل الجماعة اللّي مندّعي خدمتها.
وهيدا الحكي ما بيفترض أبداً إنّو لازم نرضى بالظلم، بس ما نفش خلقنا ببعض، لازم نخلق مساحاتنا ونخلّي المؤسسات الربحية المثلية تسعى للتنافس على أموالنا، مش إنّو نناقر عالعمياني. ولازم نضل على إتصال بجماعاتنا، نقنعن ونقتنع منّن، ونبتعد عن النظرة الدونية للناس اللّي “منّن ناشطين/ات”، متل كأنّه نحنا اللّي منفهم وهنّي لازم يسمعوا الكلمة ويلحقونا.
٥– الصليب اللّي منبشّر فيه:
الوجود المثلي اللّي بيحقّلنا فيه بهالمجتمع ما بيتأمن إذا نحنا ما منخاطر. هلّق ما تفهموني غلط، فينا نضل نتخبّى ورا أصبعنا من هلّق تيبيض الزفت عالطرقات، فينا نضل نلعب عالحبلين (أو العشرين حبل اللّي متوفّرينلنا). فينا نضل نسهر ونقول “نحنا آوت” ونرجع نخبّر أهلنا عن غرامياتنا الغيرية كل ما يجي أوّل الشهر. مش غلط.
بس إذا بدنا نضرب إجرنا بالأرض ونقول إنّو بدنا نفرض شروط معيّنة، إو سقف معيّن للمساحات اللّي عايشة عحسابنا، لازم كمان نضرب إجرنا بالأرض دفاعاً عن هالمساحات. اي، نعم، اللّي عم قوله إنّو لازم نعترض لمّا تتسكّر الأماكن المثلية، لازم لمّا نعرف إنّو في مخبر(ين) بالبار نعزمه(ن) عقنينة بيرة تنقلّه إنّو نحنا مراقبينه كمان، لمّا يتم إعتقال حدا مثلي لازم ننزل عحبيش ونطالب الدرك بإحترام حقنا الطبيعي بالوجود، الخ. لأنّو إذا ضلّينا نستقوي عباراتنا ونتخبّى من مجتمعنا منكون عم نبرم بحلقة مفرغة من التدمير الذاتي والبكاء عالأطلال. يا نحمل صليبنا يا نكفر فيه، في مراحل إنتقالية بس ما في حلول وسط. كيف متوقّعين القهاوي والبارات يخاطروا كرمال حقنا بالوجود، إذا نحنا مش مستعدّين نخاطر كرمال هالحق؟
٦– كلمتين عالماشي عن الأمن والعواطف الجياشة:
أوّلاً، يمكن الفساد السياسي العربي أتقن التحجج بالأمن لتبرير القمع، بس هيدا مش حجة تنصير نسمّي كل مين حكي بالأمن بالديكتاتور قمعي. القانون اللبناني، شاء من شاء وأبى من أبى، بيستخدم الآداب العامة لشرطنة أجسادنا وإخضاعها، وهيدا النظام القمعي مش أصحاب البارات والقهاوي اللّي اخترعوا، والإنقلاب عليه بيصير بخطوات جريئة فاعلة ومبادرة (مراجعة رقم ٥) مش بفشة الخلق بالعبد المأمور (أصحاب المؤسسات الربحية).
تانياً، بليز، من بعد إذنكن، ما تختصروا التحرر بالحق بالتبويس الشهواني بالقهاوي اللّي بتعج بالمخبرين وتجار المخدرات والأرواح. لو القضية قضية سكس مثلي، كان البلد ماشي والدنية بألف خير. ما بعرف عن غيري، بس أنا صراعي هوّي صراع للهوية والكرامة والحق بالروحانية (وإن كنت ملحدة) والحق بالسلامة العامة لمّا نتفاعل مع المجتمع العام وبحقّي بإنّو ما إنسب وما إتهاجم بالشارع وما إتحول لغرض جنسي وما إنطرد من شغلي وبيتي وحقّي إنّو ما إنحرم شوفة عيلة بكرامة وحقّي بإنّو ما دمّر حياة أعز الناس عقلبي بمجرّد إنّو كون أنا. من دون عفة بقلّن آخر همّي إنّو أعمل سكس، أنا بدّي حب وإنحب من دون ما كون عم برتكب لا جريمة ولا خطية ولا عم حل دمّي.
أنا مع الحق بالتعبير عن المشاعر ومع التحرر الجنسي، بس ما بدّي حروبنا الوجودية تنحصر ببوسة.
٧– اليوتوبيا والخطر الداخلي:
كل هالحكي بيطرح سؤال وجيه، عأي نوع من الأماكن عم فتّش؟ أنا بكل بساطة عم فتّش عن مطرح، مطرح ما كون في لا غريبة ولا غرض جنسي ولا مشروع ضحية، عن مطرح ما خاف لمّا إتبادل نظرات مع حدا غريب، ما خاف إتحقق إنّو هيدا الشخص مهتم فيي. الشروط مش صعبة، بفهم صعوبات الحياة بلبنان، كمرا وكشاذة. بعرف المخاطر، بعرف القوانين اللّي ضدنا، بعرف العقليات اللّي بيتدرّب عليا عناصر المخابرات، وبعرف الهاجس الجنسي اللّي بيربى عليه رجال لبنان ويلّي بيخلّيون بسعوا لفرض جنسانيتهم حتّى عالممثليات.
بس اللّي بيروّعني أكتر شي بالأماكن المفروض تكون لإلنا هوّي الخطر المثلي اللّي بيهدد المثليين. أسيد، قبلة المثليين بلبنان سابقاً، من أبشع أماكن السهر اللي فتت عليها، رهاب المتحوّلات هونيك بيوجّع. الحشيشة والكحول المزغولة ومخدرات الإغتصاب مخيفة. ما عدت إتفاجأ من الرجال اللّي جرّبوا “يقنعوني” نام معن، بس المثليين/ات اللّي بيستغلّوا مثليين/ات البقية هوّي اللّي مش ممكن إتقبّله. الشخر والنميمة والطعن بالضهر هوّي اللّي بيقطّعلي قلبي.
ما عم قول إنّو لازم نكون مجتمع منزّه ومعصوم عن الخطأ، بس إذا أكبر خطر على المثليين/ات هنّي سائر المثليين/ات… يعني سمحولي خاف. إذا نحنا ما منضب على بعض ومنحمي بعض، يا خيتي، عالقليلة نمتنع عن أذية بعض، شو تركنا للعالم اللّي أصلاً أعلن الحرب علينا.
لمّا إحكي بمساحة مثلية، بكون عم بحكي عن مساحة آمنة. هيدا الهدف من المقاطعة، مش برهنة قوة إقتصادية.
Leave a Reply