المسيرة العلمانية”: أي علمانية؟”

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (8 votes, average: 3.63 out of 5)
Loading ... Loading ...

731 views

من دون خطابات تحريضية، ولا طائفية، من دون الشيكات الموقعة بالدولار والعملة اللبنانية، ومن دون دموع الاستعطاف، أو عبارات التهديد والتخويف، نزل علمانيو لبنان الى الشارع يوم أمس الأحد في 25 نيسان 2010، ليطالبوا بقانون مدني اختياري، يضاف الى قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تحكم حياة الأفراد في الزواج والطلاق والارث والوفاة والحضانة وغيرها. لا شك أن العدد كان جيدا نسبة الى أن المسيرة لم تستخدم التحريض الطائفي، ولا الترغيب المادي، ولا كان على رأسها “زعيم” أو حزب دعا اليها، وكان لافتا المشاركة الكثيفة للفئات العمرية الشابة، ومشاركة الأحزاب العلمانية في ظل غياب أية أعلام حزبية التزاما بتعليمات المنظمين. المسيرة كانت أشبه بصرخة الولادة لطفل ولد للتو، لكنه لا يدري من هو، ومن والداه، ولماذا جاء الى الحياة، وما هدفه في الحياة، وما سيكون مصيره. لكن الولادة لم تكن يوما أمرا سيئا، لأنها تعني استمرارية الحياة. هذه المسيرة كانت أشبه بمرآة، نظر فيها العلمانيون ليروا أنفسهم، كم هم مختلفون ومتنوعون، كم  يعرفون أو لا يعرفون بعضهم، كم يشبهون أو لا يشبهون بعضهم، كم يتفقون أو لا يتفقون، في إطار واحد جمعهم، هو رفضهم الوضع القانوني – السياسي القائم حاليا، وان لدوافع وأسباب مختلفة جدا، تصل أحيانا الى حد التناقض. لكن هذه المسيرة، لا بد أنها ولدت عددا من الأسئلة في ذهن كل من شارك/ت فيها: ماذا تعني العلمانية بالنسبة الي شخصيا؟ وبالنسبة الى المجموعة (السياسية أو غيرها) التي أنتمي اليها (ان وجدت)؟ كيف يمكن لي أن أطبق نظرتي للعلمانية، على الواقع اللبناني؟ هل تصلح العلمانية لتكون حلا حقيقيا لأزمات لبنان؟ كيف يمكن لي أن أقلص الفوارق والتناقضات مع غيري من العلمانيين؟

وبناء على هذه الأسئلة، نورد الملاحظات التالية، مع العلم أن الحديث عن هذه المسيرة، وعن مسألة العلمانية في لبنان بالمطلق، يحتاج الى مجلدات، لكن ضيق المساحة هنا يمنعنا من الاستطراد:

-         كان واضحا غياب المطالب الواضحة والمحددة، نتيجة تخبط العلمانيين فيما بينهم في ما يتعلق بموضوع نظرتهم للعلمانية، والأولويات التي تفرضها المرحلة الحالية. ولعل ذلك سمح في أن تتحول المسيرة الى منصة شديدة التنوع، وهو أمر ايجابي لأن العلمانية في لبنان هي في طور الولادة، على عكس ما يتصور للبعض، ولا بد أن تحتاج في ولادتها هذه، الى كافة الخبرات والمساهمات والتجارب والأفكار الممكنة والموجودة واقعا على الأرض.

-         افتقرت المسيرة الى كلمة واضحة وقوية يتم التوجه بها الى الاعلام للتعريف بأهداف المسيرة وغرضها، ولعل ذلك ينبع أيضا من غياب المطالب الموحدة والاتفاق الجامع عليها.

-         كان بارزا الاختلاف الكبير في الشعارات المرفوعة تحت عنوان العلمانية: “قانون مدني علماني”، “علمانية للحب”، “أحرار الجنس للعلمانية”، “نسويات للعلمانية”، “زواج مدني”، “قانون الجنسية”، كما دارت جدالات حول الهتافات التي يتم اطلاقها واذا ما كانت تقع في خانة “العلمانية المؤمنة” أو “العلمانية الملحدة”، حفاظا على “الجماهير العلمانية المتدينة”. وهذه الاختلافات في المسيرة هي جزء طبيعي من أزمة العلمانية الكبرى في لبنان، وحالات الانفصام التي يعيشها دعاة العلمانية.

-         كان لافتا غياب المطالبة ب”الغاء الطائفية السياسية”، وهي المدخل الطبيعي واللازم لانبثاق سلطة موثوقة وشرعية وغير طائفية قادرة على انتاج قانون مدني حقيقي.

-         كان لافتا وجميلا ومؤثرا (بمعزل عن بعض التصرفات الفردية التي لا يمكن تحميل الجميع مسؤوليتها)، مشاركة “أحرار الجنس” Queers بلافتات صفراء كتب عليها “أحرار الجنس مع العلمانية”. وعلى الرغم من أن كثيرا من النقاشات دارت وستدور حول جدوى هذه المشاركة، وخطورة بناء هوية سياسية قائمة على الهوية الجنسية، الا أنه في بلد مثل لبنان وفي وضع مأساوي مثل وضع المثليين والمثليات وأحرار الجنس اللبنانيين، تصبح ولادة الهوية السياسية بناء على الهوية الجنسية/الجندرية هو أمر طبيعي. من الضروري في ظروف كالتي نعيشها، أن نصرخ أينما كنا صرخة الولادة التي تحدثت عنها، وان لم نقدم بأنفسنا كأحرار الجنس، مشاريع قوانين حاسمة وجازمة بعد تكون بديلا لما هو قائم (وهذا نتيجة أزمة انقراض النتاج فكري على مستوى وطني وعربي، وليس فقط لدى أحرار الجنس، بل أيضا على مستوى الفكر النسوي والسياسي والاقتصادي وحتى الأدبي). كان يكفي لنا أن نقول أننا موجودون وموجودات، وأننا ضد الوضع القائم. وبما أني سمعت انتقادات تقول أن مشاركة أحرار الجنس في المسيرة شكلت خطرا عليها كان من الممكن أن يفشلها ويسقطها، لا بد لي من التساؤل بتواضع: أليست المسيرة العلمانية دعوة علنية لنبذ العنصرية والتمييز بناء على الاختلاف الطائفي؟ اذا، كيف يمكن لي أن أقبل بأن يتم التمييز ضدي بناء على ميولي الجنسية؟ انها أزمة الانفصام العلماني مجددا، ليس في لبنان فقط، والتي تحتاج الى حل.

-         كان لافتا حضور عضوات وأعضاء “المجموعة النسوية” بهتافات نادت بالحقوق السياسة والجسدية للمرأة في إطار قانون مدني يجعل من المساواة بين النساء من جميع الطوائف، أمرا واقعا. وكان من الضروري حضور النسويين والنسويات للتأكيد على وحدة الموقف بين الفكر العلماني والنسوي كحركتي تغيير ضروريتين، ومتلازمتين، ولا وجود لأحدهما بمعزل عن الأخرى، على الأقل في المكان والزمان الحاليين.

اليوم، العلمانيون والعلمانيات مطالبون بالتفكير، بعد أن أعلنوا عن وجودهم/ن. هناك مجموعة أسئلة جوهرية لا بد من التفكير فيها مليا والإجابة عليها: أي علمانية نريد؟ هل هي قابلة للتطبيق في ظل خلافاتنا في ما بيننا كعلمانيين، على أبسط المسائل مثل “الغاء الطائفية السياسية”؟ هل يكفي اضافة قانون مدني اختياري لحل أزمة لبنان، أم يزيد الأمر تعقيدا؟ هل بنية ما يسمى ب”الدولة اللبنانية”، مؤهلة وجاهزة لانتاج وتطبيق قانون مدني؟ ألا يعتبر القانون المدني الاختياري، لا الشامل، نصف حل ونصف ثورة؟ هل تنجح أنصاف الثورات في احداث التغيير اللازم؟ هل يمكن للعلمانيين تقبل بعضهم والاندماج في ما بينهم بكل ما لديهم من اختلافات سياسية وحزبية وغيرها، مثل رهاب المثلية، والذكورية والطبقية و و و …؟ كيف يمكن ايجاد صيغة واحدة تجمع هؤلاء في نضال واحد ضد واقع يتفقون جميعا أنه مريض، وان لأسباب مختلفة؟ ألا يكرس القانون المدني، سلطة الدولة التي يرفضها الكثيرون من الأساس؟

أما نحن، كمثليين ومثليات وأحرار الجنس، فعلينا في الوقت عينه أن نفكر في أسئلة أخرى مثل: ما هو الشكل الذي نريده للعلمانية في بلدنا؟ كيف يمكن لنا أن نستفيد من قانون مدني مفترض؟ ما الذي يجعلنا ننادي بالعلمانية؟ هل يمكن لقانون مدني محتمل أن يسيء الينا والى قضيتنا؟

وهناك سؤال مبكر قليلا لكنه موجود ويفرض نفسه، وسيكون على العلمانيين والعلمانيات التعامل معه عاجلا أم آجلا هو: ماذا بعد العلمانية في لبنان ان حصلت؟ فالعلمانية بالتأكيد، ليست سوى الخطوة الأولى المحاطة بكثير من التساؤلات والشكوك والمخاوف، وهي ليست الحالة الكاملة والمثالية للدولة، وليست الشكل الأمثل، بل سيكون هناك حتما، كثير من التغيير والتعديل اللازم للعلمانية في حد ذاتها، فهي حتى اليوم حلم نتوهم أنه كامل لأنه بعيد المنال، لكن متى بات أمرا واقعا، قد ينقلب حلما مزعجا نتمنى لو أننا ما اختبرناه، أو اختبرناه بطريقة مختلفة.

كثير من الأسئلة، كثير من التفكير وكثير من العمل على كافة المستويات الفكرية والمجتمعية والقانونية والسياسية، وهي جميعها متصلة ببعضها اتصالا وثيقا. لكن زبدة الحديث، أن المسيرة العلمانية، بغض النظر عن شكلها أو جدواها أو فاعليتها، كانت ضرورية لتحفيز هذه الأسئلة لدى كل من شارك/ت فيها، واطلاق حوار نأمل أن يكون واعيا ومسؤولا، لعله يكون مثمرا ولو لمرة واحدة في حياة العلمانية القصيرة. كما أن هذه المسيرة أثبتت أن من الممكن حشد آلاف المشاركين، في مسيرة غير طائفية وغير حزبية متطرفة، وهذا أمر يحسب للمنظمين!

samira
Aphrodite likes to drive fast. Real fast. Whether behind the wheel, behind her computer, or behind a plate of a double cheeseburger, fries, and a side order of pasta salad, Aphrodite is moving 100km a minute. A journalist by training and a poet by passion, Aphrodite does not believe in suntan lotion, aspirin, or dishonesty. But she does believe in Bekhsoos. Very much.

Leave a Reply