*”خَوَل”

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (5 votes, average: 3.60 out of 5)
Loading...Loading...

1,305 views

أول مرة سمعتها بميدان التحرير، جرّبت فكّر إنها كلمة، شتيمة، مسبّة، سقط منها معناها القديم، وبقيت قدرتها على الشتم. حاولت اتحجج باللغة اللي ساعات بيسبقها الزمن بالتطوّر. متل الناس الكبار بالسن اللي ضد العبودية، بس بيستعملوا كلمة عبد للدلالة ع الشخص الأسود، بعدن ما تعوّدوا.ضاع مني نُص الحديث، أول مرة سمعت “خول” بين شباب من الميدان، لأني كنت عم برّرها براسي. ما بدي شي بالثورة يضايقني.تاني مرة سمعتها، حسّيت إنو حظي عاطل. ضروري يعني؟إنو أنا، بأول مرة، ما اقتنعت بتحليلي، بس سكّتت حالي فيه. تاني مرة، كان فشل تحليلي واضح متل اللمبة. لأ، الكلمة مسبّة، ومقصودة بمعناها. هيدا بيقول له، بالمنيكة طبعاً: يا ابن الشرموطة، فبيضحك وبيكمّل الاستفزاز. بس لما بيقول له “ده انت خول”، بتضل أجواء المنيكة، بس بيتبالغ بردّ الفعل، إنو يا إما بيلبطو، أو بيردّلو الـ”خول” بسرعة، أو … في شي بيصير.

زعلت. بس ما عاتبت، ولا لفتت نظر. حسيت حالي، لو حكيت، ح كون جاية من كوكب تاني، عم بحكي لغة غير اللغة.

بالأخير، وبلا أوهام، الثورات العربية هدفها الأول والأخير هو التغيير السياسي الاقتصادي، إنو يجي نظام أكثر عدالة، وتصير الناس أقل فقراً، وأكثر حرية بالتعبير عن المطلب السياسي والمعيشي.

هي مش ثورات عم تطالب بالحريات الفردية.

هي ثورات عم تطحن الأفراد بجسم مليوني كبير (مصر) ما بيموت بالرصاص والدبابات (سوريا)، تيقدر يقلب الحكم، وتيقدر يعيش! لأنو نحن منطلقين من مرحلة الموت السريري، بالعالم العربي.

هلق بمصر، مش بغيرها، انفتح ملف المرا، كشريكة بالثورة. وصار في “تطاول” على الأخلاق العامة، بس الجسم المليوني بيستوعب، ممكن تصيبه تغيّرات بسيطة، بس ما بتغيّر أصل الصورة. وأصل الصورة هو سلّم أخلاقي ديني إجتماعي بيطمّن المجتمع على إنو رح يضل متل ما هو، إنو هو حلو متل ما هو، المشكلة بالظلم اللي عم يتمارس بحقه.

وهيدا شي إنساني، survival skills، بس مخيف كمان، متل أي صراع فيه ضرورة للـ survival، لأنو بيطلعوا الأنياب، والأنياب بتنهش “المختلف”.


“خول”.


ما تغيّر تعريف الكلمة وآلية استخدامها بالمجتمع المصري من قبل الثورة لبعدها، بس اللي لاحظتو تغيّر، هو كثافة استخدامها.


صارت كتير بتنقال.


من قبل، كنت اسمعها، بأقصى الأحوال، مرة بالزيارة.


وياما زرت مصر، من دون ما اسمعها.


هالسفرة، “خول” ولعانة!


هلق صحيح كل المسبات زايدة شوي، “عرص”، “ابن الشرموطة”، بس “خول” آخدة مساحتها يعني، ومتل ما قلت، إلها رد فعل سبيسيال.


سألت حالي: ليه يا ترى، وجاوبتني حالي إنو: نزلوا الشباب ع الميدان، فتحوا إيديهم بالهوا، ومليوا حالن من حالن، وعلّوا صوتهم، وحطوا أصبعهم بعين اللي ظالمهم، مدوا إيدهم وجابوه من رقبته، زتّوه بالحبس، وصرخوا، وسمعوا حالن، وحبّوا حالن، واسترجعوا حقهم ببلدهم، وهيدا شعور مش قليل، هيدا شعور بيعمل جنون، متل كأنو مدّيت إيدي ومسكت السما! المهم، بعد ما هيك صار، حسّوا باكتمال “الرجولة” كهوية شخصية بتدلّ ع الإنتماء للجنس “الأقوى”. بين الجنسين، الرجّال ماسك السلطة. وهيدي السلطة مش موضوع نقاش بالعالم العربي، لا بالثورات ولا قبلها ولا بعدها. ماكسيموم، بيكون النقاش حول “مشاركة المرأة”، و”حقوق المرأة”، و”المساواة”، …


بناءً على ذلك، وباختصار، لمّا بيتمنيكوا شباب الثورة ع بعض، وبيقول واحد منهم للتاني “يا خول”، بيكون كأنو عم يجرّده من شخصيته الجديدة، هيدي اللي حس فيها لما مدّ إيدو ومسك السما.


يمكن تقكيري مش بمحلو، بس هيك حسيت. أنا ما رحت بأفكار مسبقة، وحاولت لاقي تبريرات، بس هيك حسيت.


هلق حتى الواحد يكون منطقي كمان، نظام الحكم السابق ساهم بانتاج هيدي العقلية. خلّى الناس يغرقوا بالفقر، يحتفلوا بالجهل، يخافوا من الاختلاف، يدوبوا بالتراب، ويتخبوا ورا كتاب وحيد اسمو القرآن، مين ما كان بيفسروا كيف ما كان، وهو بيحمل تفسيرات وظلم، ومحدود بزمانو، فمنرجع لزمانو!


حالة مرعبة يعني، وعمرها عشرات السنين.


مع الناس اللي تعرّضوا لهيدا الضغط كأسلوب حياة، أنا عشت إحساس الميدان والملايين. مش طبيعية درجة الصدق والقوة  والحق اللي فيه. بعده بأوّلو، وبعده ناقص. الناس بدها تشيل الجزمة اللي داعستها، قبل ما تطلّع بالمراية، وتشوف كيف بدها تحب صورتها.


أما هلق فـ”خول” مسبّة. وشكلها باقية شوي. ما بعرف الواحد شو بيعمل بهيك حالة. بس بعرف إنو الظلم كيف ما كان مرفوض، وبالتالي، الواحد بيلاقي حالو ساعات ماسك إيد شخص موجوع وعم يسبّ، بانتظار تخلص الشتايم من لسانو، ويبلّش حديث تاني.


هيدا تفكير إيجابي. بس كمان، هيدا سياق ممكن.


بقلم “سمسم” في الميدان

*خَوَل باللهجة المصرية هي كلمة تحقيرية، بتدلّ على الشاب المثلي. لما فتشت عن أصلها ع “غوغل”، لقيت إنو أقرب شي باللغة العربية بتدلّ عليه هو: هدية مكوّنة من عبيد وإماء وأتباع.

Leave a Reply