نعم…أنا شاذة

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (3 votes, average: 4.33 out of 5)
Loading...Loading...

434 views

na3amالشذوذ، كلمة لطالما استفزت مسمعي و أثارت فيّ مشاعر الاستنكار. فمجرد لفظها يوحي بالقبح و الدناءة، أو العمل المشين. الشذوذ بمعناه الحرفي يعني الخروج عن المألوف و السائد، فمن شذ عن أمر ما، خرج عنه وخالفه. ولطالما استخدم مصطلح الشذوذ لشن هجومات عنيفة على المثلية الجنسية و قمعها عبر وصمها بالعمل “الشاذ” عن الطبيعة الانسانية! يستخدم معادو المثلية غالبا الحجج و الأمثلة من الكتب المقدسة لاضفاء “قداسة” على حكم تجريم المثلية. لست هنا في وارد نقاش صحة تأويل النصوص الدينية ومرونتها وقابليتها للتفسير بعدة طرق، لكن يكفي أن جميع الأديان و المعتقدات التي أقرت بوجود الله أو سلطة الهية عليا، أقرت أيضا بأهمية و أولوية مبادئ العدل، التسامح، الحب، الخير و التنوع، واتفقت على بغض الشر و الأذى.

أنا على يقين بأني اذا ما كنت مؤمنة بمبادئ الخير و العدل، ولا أرضى بأن أمس أحدا بسوء حتى الحشرة الصغيرة، لا يمكن لله أن يعاقبني و يجرمني فقط لكوني مثلية. فالله عز وجل هو العدل والمحبة، خالق الكون وما فيه من كائنات و طبيعة متنوعة لا يمكن أن ينبذ التنوع الذي خلقه، أو يعاقبه. ان في اتهامنا بالشذوذ اهانة لله، اذ أنه عندما يوصف المخلوق بالشذوذ، فهذا يطال الخالق أيضا، والله بالتأكيد، كامل.

نعم قد يوجد مثليون أشرار كما يوجد غير مثليين أشرار، ولا يمكن لهذه السلطة الالهية أن تقيمني بناء على ميولي الجنسية، بل بناء على سلوكي العام في هذه الحياة. أما ذلك الهجوم الدائم من قبل معظم رجال الدين على المثلية فهو على الأرجح خوفا منهم من انخفاض التزاوج و النسل بين أبناء طوائفهم، و بالتالي نشوء خلل في تركيبة “المجتمع الطائفي” والديموغرافيا الطائفية. وهنا تبرز مشكلة اجتماعية قديمة جديدة، فقد بتنا نلاحظ أن عددا كبيرا من رجال الدين هم أبعد ما يكون عن المبادئ التي ينادي بها الدين. فمعظمهم منغمس في وحول الطائفية والمذهبية والكراهية، وهم يجترون رواسب الحرب بتحريضهم الناس بعضهم ضد بعض بدل أن يعملوا لنشر السلام و المحبة التي أمرهم بها الله.

فهل تعتبر المثلية شذوذا أمام شذوذ هؤلاء عن المبادئ التي يفترض بهم حمل لوائها؟

وبالعودة الى عبارة الشذوذ، أي الخروج عن السائد والمألوف، يسود في مجتمعاتنا النفاق والكذب والتعلق بالمظاهر والقشور لدرجة تفوق الوصف! يسود في مجتمعاتنا الجهل والجاهلية والذكورية العمياء والممارسات العنيفة ضد المرأة. يسود في مجتمعاتنا الغش والاختلاس والسرقة في كل القطاعات. يسود الفقر والحرمان وثقافة الاستهلاك وقبول كل ما يفرض من الخارج حتى صرنا سلعا وأرقاما عند أسياد الرأسمالية الجشعة! تسود في مجتمعاتنا أنظمة سياسية بالية قائمة على المحاصصة والطائفية والمذهبية والتطرف الحزبي لدرجة تحول الشعب فيها الى قبائل همجية مستعدة للانقضاض على بعضها.

هذه هي صورة مجتمعنا. فان كان هذا هو مجتمعي، أقول بكل فخر وبلا تردد “نعم أنا بلا شك شاذة في هذا المجتمع و خارجة عن هذا السائد و المألوف”.

Contributed by Cat

Leave a Reply