عن الصدور النسوية و”السوتيان” الذكورية

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (11 votes, average: 3.45 out of 5)
Loading ... Loading ...

2,529 views


باليوم العالمي للمرأة، من المنطقي نحكي عن الحق بالحماية من العنف الاسري،عن حق الام اللبنانية بالرعاية الكاملة لولادها، عن حق المرأة المش لبنانية بكامل الحقوق، عن  الحماية من العنف الجنسي واللفظي بالشارع، والحقوق الدستورية ابتداءاً من الحق بالجنسية، والخ الخ الخ.

بس اليوم بدي استرعي انتباهكن لاحد الحقوق البديهية ويللي بديهياً منسية. بدي احكي اليوم عن ملكية متنازع عليها منذ فجر العصر الذكوري العريق، عن ملكية صدور النسوان. وقبل ما انطلق بالجهاد الكلامي، بحب الفت نظركن على انو تم اختيار الصدر كجزء من كل، الصدر هون كناية عن كامل الجسد النسائي المتنازع عليه.

نحنا كنساء (حاليات او سابقات) ذوات هويات جندرية وميول جنسية خارجة
عن قوانين التطبيع الذكوري، او بالمختصر المفيد نحنا “الشاذات”، من اكتر نساء
المجتمع المشكوك بجمالهن. من حيث لا ندري، منتعرّض لوابل من الاتهامات بإننا بشعين، متل الصبيان، ومريضين. ومن هون جهادنا لتفكيك وتحليل ماهية المرأة، أو مفهوم انك تكوني مرأة.

ومن هون، منوصل سوا لفحوى الموضوع: “السوتيان”، او ما يعرف بالبزازة، مشد الصدر، الصدرية، الخ. للبنت مدخلين للأنوثة، العادة الشهرية والسوتيان، خياران أحلاهما مر. والسوتيان هيي أول اعتراف ببلوغ البنت سن الخصوبة، بما انو الصدر بيبلش يبين قبل وصول العادة المنتظرة. وعادة بتركض الام لعند أمها، او أي ممثلة للحكمة الأمومية، بتجر البنت وراها، بتتوشوش النسوان، بتقرّب أم الأم من البنت، بتتحسس المنطقة الصدرية. بتتشاور أم الأم مع الأم قبل ما يصدر القرار النهائي: نعم قد أتانا الصدر الاعظم.

البنت عادة بتتحمس لفكرة انو تصير متل الكبار، بتتحمس للاهتمام، ويمكن لفكرة انو حدا يشتريلها شي جديد. بس بعد فترة بتروح السكرة وبتجي الفكرة. من بعد السوتيان الاولى اللي بتكون قطنية ولطيفة واللي ما بتتردد الأم تشتريها لبنتها، بتجي السوبر سوتيان، يلي بتشد وبترفع وبتحسس وبتشكوك. وبعدين في دعايات “كاي-لين” و”لا سنزا” و”فيكتورياز سيكرت”، دعايات السوتيان الخارقة والغالية اللي مش بمقدور كل الأمهات يشتروها، بكون معظم نساء لبنان سوتياناتهن من تبع الخمسة آلاف ليرة. ثم فوق الدكة شرطوطة، السوبر سوتيان بدها عناية خاصة، غسيل عالايد وبمي باردة. واخيرا وليس اخرا في الفوارق العائلية البسيطة والمتناقلة من الأم للبنت، عن ضرورة لبس السوتيان اثناء النوم او عدمها، ضرورة لبس السوتيان فور النهوض من النوم او فور الخروج من البيت، هل استقبال الجارات للصبحية من دون سوتيان لائق او لأ، هل يجوز لبس السوتيان المزخرفة تحت قميص رقيقة (اي هل يجوز اظهار الزخرفة) ام لا؟ هل يجوز اظهار شرائط السوتيان ام يجب اللجوء لشرايط بلاستيكية شفافة ؟

اسئلة كتيرة بيرجع الجواب عليها للتقاليد العائلية ومعايير اللياقة او عدمها. وانما بيبقى ثابت لا محالة ضرورة لبس السوتيان، ليش؟ ترتيب. عيب ما نلبس سوتيان. شو بدك تمشي انت وصدرك مشطشط؟ اصلا انا ما برتاح كون بلا سوتيان، بحس حالي غلط. يه! شو هالسؤال السخيف! شو بدك الدني كلا تتبحلق فيه يعني؟ اصلا مش شايفة صدري شو كبير؟! (او اذا صدرها زغير) يه! بيصيروا الشو اسمن طالعين (الشو اسمن هني الحلمات طبعا).

الحجج كتيرة والنتيجة ما بتتغيّر، مش ممكن تكوني مرا بلا سوتيان. وبتحدّا اية لبنانية سوتيانية تقلّي انو عندها القدرة تمشي بلا سوتيان برياحة. بالأول في الشعور بإنو صدرنا رح ينقطش، بعدين في شعور الزكزكة الغريب، وبعدين في البارانويا انو الناس بتعرف انو انا مش لابسة سوتيان وعم تضحك عليي. بعدين في تأنيب العيلة.

ومننسى انو السوتيان مش هيي الوضع الطبيعي، هيي نوع من التطبيع الجسدي، اداة من ادوات اجبار الجسد على اتخاذ شكل معيّن، نوع من الخوف من طبيعتنا المتنوعة واكيد نوع من الغش. هيي الفكرة انو صدر المرا جزء حميم من جسدها، على عكس كل الثدييات والرئيسيات (قرود، وما سواها) الانثى الانسانة بتطور صدر مكتمل بشكل دائم، بالوقت اللي بتكتفي سائر الانثيات بصدر مكتمل بفترة الرضاعة. تساءل العلماء (اللي معظمن رجال على فكرة) عن السبب، وكترت النظريات. اكتر النظريات المتوافق عليها انو الانثى البشرية صدرها دائم نظرا لضغط اجتماعي اغوائي بيطلب منها انها تكون دائما جاهزة لاغراء الرجل.

هلق متل اي جزء من جسد المراة بتكتر المستلزمات، وبتكتر نظريات نسوان الفرن. الصدر المشطشط  يعني كتير ملعوب في، فاذا انت مش مجوزة ضرورة يكون صدرك شديد. صدر البنت مش طبيعي يكون مشعر، وهون زيارة لسيلكور ضرورة قصوى، لأنه صحيح البنت ما رح يشوف صدرها الا جوزها بس هيدا الشي ما بيعني انو زوجها وتاج راسها رح يقبلها اذا صدرها مش احلس املس. بالمختصر المفيد صدر البنت ملك عام مخبى بقشرة بصلة، للكل الحق بابداء الرأي فيه والمشورة والأوامر.

وهون مش لازم ننسى انه السوتيان ما خلقت من عدم، انما هيي خليفة سلالة عريقة من وسائل التعذيب والتحجيم المتخصصة بتصعيب حياة المراة. السوتيان اختراع سادي فظيع بترجع جذوره عالقليلة لإيام الاغريق. بس السوتيان بترتبط بشكل خاص بثقافة الكورسي، واللي ما بتفهم تعبير “كورسيه” عالطاير هوي المشد اللي كانت تلبسوا نساء اوروبا لرفع الصدر طلوع. وبما انو الاوروبيين ما كان عندن فهم لمبدأ “كل شي زاد بالمعنى نقص”، وصل “الكورسيه” بأوجه لحدود خطيرة، من رفع الصدر بشكل بيصعّب التنفس ويسبب الاغماء، لممارسات شنيعة متل نزع آخر ضلع او ضلعين من القفص الصدري لتحقيق الشكل المثالي.

مع مرور الوقت وحلول الحرب العالمية التانية بشكل خاص، اضطرت المرأة الغربية لدخول سوق العمل من بابه العريض، وما عادت بس نساء الطبقة العاملة هني اللي بيشتغلوا، بمعظم الاحيان بتنظيف المنازل وخدمة الطبقات الاجتماعية العليا. وهيك اقتحمت شريحة واسعة من النساء السوق، اشتغلوا بالمصانع والمعامل للتعويض عن نقص الرجال. فبالتالي، وللمرة الاولى، انتبه المجتمع الغربي لخطورة الكورسيه والاعاقة الطوعية اللي بيفرضها على النساء. مش ممكن للمرأة تشتغل اذا لابسة كورسيه. بس بطبيعة الحال مش ممكن للمرأة تعيش بصدر متحرر، فتم تطوير ما يعرف بالسوتيان، أداة بتكمش الصدر بس ما بتخنق عالاخر.

ومن هيدا المنطلق تكرست مع مرور الزمن السوتيان على انها رمز للذكورية الغربية، وتبنت مجتمعات ذكورية اخرى السوتيان كأداة تحكم بصدور النسوان، ورمز تحكم بسائر اعضاء ونفوس النساء.

للسوتيان العديد من الاعداء الطبيعيين اللي ما رح يسمحلنا هيدا المقال بالتوسع فيهن كلن فرح نكتفي بذكر تنين منن. اول اعداء السوتيان تاريخيا كانوا النسويات الاميريكيات البيض، في الستينات، اللي كانوا بعدد من المناسبات يحرقوا السوتيان نظرا لرمزيتها القمعية الذكورية. وانتقلت حمى حرق السوتيان لسائر المجتمعات النسائية المناهضة للقالب الغربي للذكورية، وبشكل خاص باوروبا.

بالمنطقة العربية ما شهدت الساحة النسوية (بعد!) ظاهرة حرق السوتيان. وذلك لأسباب عديدة، منها انه النسويات العربيات كانوا اولا مناضلات ضد الاستعمار، ثم مناضلات ضد الطبيقية والاقطاعية المستشرية. اما حاليا، فراح الاستعمار ورجعت الاقطاعية مقبولة اجتماعيا، اما النسويات فانحسروا بالصراع ضد محو الهوية الشخصية على حساب اما العولمة او التيارات المتشبهة بالدينية. بالوقت ذاته، تاريخنا مع السوتيان بيختلف عن تاريخ النسويات البيض الغربيات. نحنا لما نتطلع على السوتيان منشوف الماركة اللي هيي اما امريكية او متشبهة بالامريكية، وفقا للميزانية.

بهيدا السياق، ما تم استهداف السوتيان بالتاريخ العربي الا بسياق استهداف جسد المراة. متل لما “حركة الشباب الاسلامي” بالصومال اصدرت فتوى حرمت فيه لبس السوتيان بحجة انها نوع من الغش. فكان الحل بالنسبة الهن انه اية امراة بتنلقط لابسة سوتيان بتنجبر تشلحها قدام الكل (ما تسألوني كيف) وتنجلد قدام الكل.

طيب شو منستخلص من هالحديث الطويل؟ هينة نقول انو “حركة الشباب الاسلامي” ما الها حق تجلد النسوان بتهمة لبس السوتيان. وبعد اهين انو نقول ما اله حق المجتمع يجبرنا نلبس سوتيان؟ بس السؤال اللي بيطرح نفسه، هل الن الحق يحرّموا السوتيان من الاساس؟ والنسويات البيض الغربيات، هل الن الحق يحرقوا السوتيان؟ لأي درجة السوتيان ما زالت رمز لقمع الصدر النسائي؟

بالنهاية، اللبس مفروض يكون اختياري، ومش كل النساء بيلبسوا سوتيان لأنهن مجبورين. بس شو الفرق بين الخيار والفرض الاجتماعي غير المعلن؟ بالنسبة الي كان التخلي عن السوتيان جزء من طريق طويلة، بعدني بأولها، للتحرر من كرهي لذاتي، من حاجتي لقمع جسدي، لمصالحة جسدي، للصدق مع ذاتي، لمقاومة نظرات العالم واهانات العيلة، للمصالحة مع واقعي الطبقي كجزء من الطبقة العاملة اللي مش بمقدورها تصرف على اللبس. وأهم شي، انا شلحت السوتيان احتراما لجسدي، اللي عم بتعلم، شوي شوي، كيف ما جرح فيه بمختلف ادوات التعذيب متل السكر، والسوتيان، والمكياج، والكعب العالي، والصبغة، والتياب الضيقة.

بس هيدي خبرتي انا مع السوتيان، خبرة شخصية جدا. ما بسمح لحالي اعتبر مثلا انو المرأة الترانس اللي حاربت المجتمع بأجمعيته لتلبس متل البنت اللي هيي بتشوفها وبتحترمها جواتها، ما بسمح لحالي اعتبرها عم بتخون مبادئي انا للنسوية. النسوية ايمان عميق بحرية الاختيار وحرية الوجود. وما بسمح لحالي اعتبر انو البنت/المرا اللي بتلبس سوتيان لأنها بتعرف انو اذا راحت عالشغل بلاها اكيد بتنشحط، ما فيني اعتبرها خاينة لأنها ما عم بتضحي كرمال تتحرر، بالنهاية التحرر المفرغ من التحرر المادي هوي لعبة “نفاريش” المجتمع اللي عايشين بصومعتن.

غلطة النسوية الغربية البيضة كان عنادها المطلق. صحيح انو هيدا العناد هوي اللي ساعدها تتحدا مجتمع كان مصر يحطمها، بس هوي العناد ذاته اللي غمضلهن ضمائرهن لما جربوا نساء ذوات تجربة مختلفة انه يتواصلوا معهن. ومشكلة الحركات المشابهة ل”حركة الشباب الاسلامي” انهن بصراعهن المشروع لمواجهة قوات ارهابية غربية، نسيوا انه الانسانة والانسان أدرى الناس بمصلحتهن  الشخصية.

Contributed by Ghoulama

Ghoulama
Ghoulama was born in the final years of the Lebanese Civil War to a family that never had money and never had a home. She’s been a proud shezze since 2008. She lets out the little creativity she has in writing and drawing. She loves her country, family, lappies, friends, as well as technology, language, science and feminism. For Bekhsoos she writes in Lebanese because that’s the only way for all her Lebanese anger and passion to come out dressed in words. Her dream is to go back home one day.

Leave a Reply