غلامة غاضبة
1,113 viewsما بعرف ليش الله بعد ما كب بارود عهالبلد، بشو صدوم وعمورة أسوأ منّا؟ من أعلى نسب السفاهة والتحرّش والإعتداء الجنسي بالشوارع العامة بالعالم (اي نعم، حتّى مقارنة بالعالم العربي، ما بقى تستهبلوني). بلد صدور النسوان فيه رح تنفجر بس بعد ما بيسترجوا يتخلّوا فيه عن عذريتن. والأمّات بيضربوا في ولادن متل ستيك اللحمة، من دون وعي وبشكل وحشي وهستيري. بلد فيه سفاح القربى أكبر أنواع الإغتصاب شيوعاً. بلد فيه الهيرويين متوفّر أكتر من وسائل منع الحمل.
شو؟ بدكن بعد كفّي؟ بدكن نحكي عن الأرزة اللّي بعدا صامدة فيه عالعلم فقط لا غير؟ بلد النشيد الوطني الذكوري والسخيف ممكن يكون مسروق؟ بلد مش عارف حاله عربي ولّا فينيقي، لأنّو مش عارف يكون افرنجي؟ بلد من المنطقي فيه المخاطب يموت إذا ما كان من طايفة المتكلّم؟
لأ خلص بالزيادة. أنا قرفت القرف وزهقت التعصيب. أنا اليوم عبالي أكتب شقفة وجدانية، من القلب للقلب. وعذروا الإستضحاء اللي رح تقروه وما شفتوا منّا.
لمّا غلامة كانت ولد، ما كانت طفلة مبسوطة. غلامة من أوّلتا مش فاهمة هالدني، ومش فاهمة غيري ومش فاهمة حالي، ومش فاهمة فكرة الطفولة من أساسا. بيقولولي إنّو كنت طفلة سعيدة، غنوجة بيّا، شعري يوصل لطيزي، برقص وبخلع تيوصل راسي للأرض، كل ما يجي البابا من الشغل بركض وبطالب بحصتي من الغنج قبل ما ياكل بيي حتّى. بس أنا أنا بتذكّر طفولتي هيك.
أنا بتذكّر طفولتي كتير منيح، صور فوتوغرافية بقيت جامدة بذاكرتي، مشّايتي المرسوم عليا أرنب زهر اللّي كنت إلعب فيا فوتبول. أوّل بيت تركته لمّا كان عمري ٤ سنين، وكل البيوت اللي تركتا بعد هيك. وقتا خيي وقع بالقزاز. وقتا كان بيي بالبيت وركض متل المجنون تخبا تحت التخت وقلنا نسكت وما نطلّع فيه، إمّي فتحت وكان في زلمي بالبدلة عم يسأل عن بابا، وبذكر كيف اتطلّع فينا الزلمي، بفتكر كان عارف إنّو بيي بالبيت. بذكر عمّي اللّي انصاب بالحرب، ما كنّا نسترجي نحكي معه، ما كان بدّه إلّا يشرب عرق وما حدا يحكيه لأنّه كان منصاب بدماغه والنطق بيعذبه. بتذكّر العرزال اللّي ما كانوا الصبيان يخلّوني إطلع عليه، قمت طلعت مع إنن كانوا عم بيقوصوا عليي بلّوط، بس طلعت وقعدت معن، دفّشوني ودفّشتن، ولمّا مرت خالي سمعتنا خافت نوقّع بعض ومنعتنا كلنا نطلع، ما خلّوني إطلع فنزّلتن كلّن، بس كتير حسسوني بالذنب بوقتا. بتذكّر القصف، والراجمة ٤٠. بتذكّر الزلمي اللّي بإيام التحرير كان عم بيفتّش عإبنه أحمد (مدري البي كان إسمه أحمد ما بذكر)، خافوا عليه أهلي لأنّو عتّمت الدني والمنطقة مسيحية، خبّيناه ببيتنا ونام عالصوفا. بتذكّر أسامي الحرب. بتذكّر حاجز المدفون تبع الجيش السوري. بتذكّر الماما كانت تقلّنا نبكي تما يسألن العسكر كتير أسئلة. بتذكّر ملعب المدرسة، لمّا صار عمري ٨ سنين ما كان حدا يلعب معي، ما كانوا يفهموا عليي، وما كنت إفهم علين، ما كانوا يلعبوا معي إلا ساعة اللّي بدن حدا يكون الشرير، أو الصبي.
وأهمّ شي بتذكر كيف علّمني المجتمع القهر. كيف لمّا كنت ولد كانت الدني ما تكسرني، بصرّخ ولّي مش عاجبه صوتي مشكلته. كنت متل إمّي، كان فيي شلش من بيت متّى، ونسوان بيت متّى إخوات رجال. كنت دقدوقة وزغيرة وآكل قتلة بسهولة بس ما كنت إسكت، كنت آكل قتلة وردّا. مرّا بالملعب جوليان (كان بيفصّل تنين من غلامة) تمسخّر عليي، خانقته، ولبطني عوجّي، لقطّله إجره وعضّيتا، وما خففت لحد ما حسّيت بإصبع إجره عم ينمعص، عيّط عليي الناظر، لأنّو أنا بنت وأنا بنت كتير رايقة، قال “ليش عملتِ هيك، ما إلك بالعادة”. بتذكّر روي، ركّضني وراه بالملعب أنا وعم برغي وصرّخ إنّو رح إقتله، كان أكبر منّي بسنة وبيعمل سبور، بس لحقته ودفشته وتفجّم عالزفت، كمان عيط عليي الناظر. وبتذكّر لمّا شدّيت ألان بشعره لأنّو سفق إخته كف، شدّيته بشعره وبقيت هزّله راسه يمين شمال لحد ما ضربني بوكس عبطني، شو زعلت منّي إمّي وقتا، قالتلي سوّدتلا وجّا. وبتذكّر لمّا جرّبت طمّن الفارة اللي كانت ملزّقة عتلزيق الفيران وخايفة، عيّطت عليي إمّي. وبتذّكر الدودة اللي دعست عليا بالغلط بالبورة، بكيت كتير وقلتلّا ١٠٠ مرة ما كان قصدي، بس بقيت تتلوّى وتبرم، حتّى إنّو جبتلّا تلزيق سكوتش ولزّقتا، وحطّيتا بعلبة دخان وحطّيتلّا مي بركي بدّا تشرب، بس ماتت ولاقوها النملات ببيتا الجديد وأكلوها، ولمّا خبّرت إمّي إنّو النملات أكلولي الدودة عيّطت عليي.
وعيطة ورا عيطة حفظت الدرس وفهمت غصباً عنّي إنّو أنا ما معي حق. من أهلي تعلّمت إنّو لمّا بعصّب لازم إسكت، إنّو عيب، وإنّو أنا بنت، وإنّو أنا زغيرة لازم إسمع الكلمة. ومن الولاد اللّي من عمري تعلّمت إنّو صبابيتي مخزّقين لأنّو أنا فقيرة وهيدا شي بيضحّك، وإنّو شعري منكوش لأنّو أنا “نورية” وهيدا شي بيضحّك، وإنّو تيابي بشعين لأنّو أنا بشعة وهيدا شي بيضحّك، وإنّو أنا بتخيّل قصص وبمشي بالملعب لوحدي لأنّو أنا خوتة. ومن التلفزيون تعلّمت إنّو الناس الطبيعيي بيتجوّزوا وبيحبّوا وبيلقطوا إيدين بعض وبيعيشوا أحلى عيشة، بس أنا لأ. ومن عيد الأضحى عالتلفزيون تعلّمت إنّو نحنا المسيحيي مش إسلام، ومشان هيك ما فينا نعيّد عيد الأضحى، مع إنّو كان شكلن الولاد كتير مبسوطين بالدعاية. ومن مجلّة باري-ماتش تعلّمت إنّو بفرنسا في رجال بيحبوا رجال وبدن يتجوّزوون، بس إنّو نيعق. ومن صوت المحبة كل يوم الساعة ٧ الصبح تعلّمت إنّو ما بيسوى الولد يلعب بحاله. ومن عيلة أعز صحابي، تعلّمت إنّو لمّا بيّا يكب خيّا بالأرض ويصير يلبّط فيه ويدعوسه (حرفياً) نحنا لازم نسكت ونتصرّف متل كأنّو ما في شي. ومن بيي تعلّمت إنّو نحنا حظنا عاطل بالحياة ولو شو ما نعمل حنضل فقرا، عايزين الـ١٠٠$ وما معنا الـ١٠٠$.
بس ما حدا خبّرني إنّو الغضب والقهر والتعصيب ما بيروحوا مع الوقت. وما حدا علّمني إنّو كل اللّي تعلّمته كان نكتة، لأنّو الحياة بتحب النكت، إنّو ما فيُن منطق. وما حدا خبّرني إنّو لما يقولولي إسمع الكلمة، بيكون قصدن إسمع الكلمة واعمل اللي بدّي ياه، لأنّو إذا عملت اللي هنّي بدّن ياه رح أوصل لأفكار إنتحارية. وما حدا خبّرني إنّو لمّا تصلّي مفروض تصلّي بشفافك، تظهّر التقوة وتضرب عصدرك، وبعدين تعيش حياتك متل كأنّو إنت الله، لأنّو إذا جرّبت تكون مسيحي عن جد ما بتصير مسيحي، بتصير خاطي. ما حدا خبّرني إنّو سر السعادة تجاهل الآخر. ما حدا خبّرني إنّو رح ضل أوقع وفجّم روحي من هلّق تموت. وما حدا خبرني إنّو ما عندي وطن، عندي حكومة بستحي فيا ومجموعة شعوب ما عندا حس المسؤولية وعندا عقدة نقص ما طبيعية.
عادة لمّا غلامة بتكتب، بيكون عندا شي تقوله، اليوم ما عندي شي قوله، عندي غضب لابس حقد. لمّا فتحت هالدوكيومنت كان بودّي إكتب شي مهضوم ومثقف، بس تذكّرت الحرب وما طلع من أمري إلا الغضب، وبعد شهر من ذكرى الحرب، ومن بلاد الغربة، حبيت إحكي عن الغضب اللّي مش عارف يسكت، حكيت وبرضه ما سكت، وكفّيت المقال وما سكت.
فأنا رح إسكت بركي بيزهق الغضب من الحكي لوحده وبيتركني.
Leave a Reply