عن تونس الثورة والحراك الخارق للقوالب
1,798 viewsلمّا محمد البوعزيزي حرق حاله من القهر على الوضع الإجتماعي المأساوي اللّي كان مضطر يعيش فيه أنا كنت مشغولة عم بستغل فرص العمل اللّي كانت متوفرتلي. كنت عرواق، كل يوم إرجع عالبيت وإقرا عن #sidibouzid. بس لمّا كنت عم بقرا بخصوص الأسبوع الماضي، انصدمت لمّا عرفت إنّو سليم عمامو معتقل.
لمّا الواحد يكون بيعرف وج ضحايا جوع الثورة، بحس فيها أكتر. تعرّفت على سليم من فترة ببيروت، بطبعه الغريب ولهجته الفرنسية وقربه للقلب كتير قدّرته. سليم مش بس بيحكي بالرقابة، سليم بيحكي ببطش الملكية الفكرية وبيدعي للفوضوية الخلاقة. وفوق كل شي، سليم إنسان لطيف وقريب للقلب.
صعب عليي إنّو أعرف إنو بالحبس، بتونس من بين كل البلدان، وللحظة رجع عبالي علي عبد الإمام، معتقل الرأي منذ ٥ أيلول ٢٠١٠، بي التلات ولاد اللّي كان يغنّيلنا بالفارسي لمّا التقيته.
ورجع عبالي جايكوب أبلباوم، مهووس السلامة الإلكترونية اللي عم يتعرّض لمضايقات مستمرة بسبب شغله مع ويكيليكس، واللي مش شايف جايك عم يتحمّس ويرغي على الخروقات الرقمية والرقابة الحكومية وسبل التعمية بعد مش شايف شي بحياته.
وبكيت، مش لأنّن رفقاتي وخايفة عليهن، بكيت لأنّو نحنا منكافح تنعيش، ما منعيش تنكافح. كل ناشط وكل ناشطة بيشتغلوا تيوصلوا لبكرا يكون أحسن من الإيام اللي قطعت علينا.
بس جايك قاطع عليه أسوأ من السي أي آي بحياته، وسليم حر، تونس طردت الطاغية، وعلي… علي مش أوّل مرة بيزور السجون.
وهلّق من بعد ما الشعب التونسي انتزع حقه بالقوة ووقعت بقرة بن علي، كتروا السلاخين. طلع مين يحكي عن الثورة التوترية، يلّي فشلت بإيران من سنة ونص، بس خلّينا ما نسطّح الشعب التونسي. وطلع مين يصر ويأكّد إنّو ويكيليكس أسقطت بن علي، من معمر القذافي وغيره كتير. وزحف الغضب والتظاهر وحرق الأجساد على الجزائر والأردن، وطلعت حكومات عربية متفرّقة تتحمل هم “الأمن والإستقرار“ بتونس وتوالت الآراء الرسمية الرافضة والحذرة بشكل عام من الدول العربية والشرق أوسطية.
بس معظم الشعوب العربية تعاطفت وتحمّست وانبسطت بالثورة التونسية، وانتشر العلم التونسي على فايسبوك وتوالت تهاني الكل لكل اللّي منعرفن من تونس.
وتذكّرت هون ثورة الأرز، الثورة اللّي هلّق تبرّى منّا معظم المشاركين فيا، وإجتياح تمّوز الـ ٢٠٠٦ وإنتصار الـ١٤٠٠ شهيد لبناني مقابل شي ٣٠-٤٠ إسرائيلي ماتوا. مظاهر التعاطف العربي هيي هيي، والحاجة للتغيير وللغد الأفضل هيي هيي. وهون كمان بترجعلي صور شاذة ببلد الأرز والمقاومة. مشاركة حلم مثلاً بجهود الإغاثة انقبلت أكيد، بس هيدا الشي ما منع المجتمع من إنّو “يقرف” من مثلييه. وما بنسى اليوم اللّي انطرد فيه مثلي من “خيمة الإستقلال“ بساحة الشهدا، “بمثابة تذكير أنّه حتّى بعض الحلفاء مثل الإشتراكيين والديموقراطيين لا يمكن الإعتماد عليهم سوى لسماع ترّهات مثل “نحن لا نسمح للبنات في المبيت في المخيّم أيضاً.“
كيف ممكن الحركة المثلية تدعم الحركات الحقوقية الأخرى؟
هيدا كان السؤال اللّي طرحته على حالي وقت خلقت فكرة هيدا المقال. بالنهاية، من أكتر من ٣ سنين لمّا خلقت ميم والثورة على بالنا، الثورة مكتوبة على طاولة الإجتماعات اللّي منقعد عليها كل أسبوع بإجتماعات بخصوص. الثورة محط كلام، أو تما كون كذابة الـ“revolution” محط كلام عنّا. منبشّر بالغضب ومنفاخر بمقالاتنا اللاذعة ببخصوص (منّي وجر).
فثورة تونس بطبيعة الحال استرعت إنتباهنا. وتمخّض هالإهتمام بإعلان الدعم لسليم عمامو الأسبوع الماضي، وبتشهد تحديثات الستاتوس على فايسبوك وتوتراتنا على قديش نحنا عايشين ثورة الياسمين (ما بعرف مين سمّى ثورة حرق اللحم الحي والجوع بثورة الياسمين بس إنّو).
بس الحكي بيناتنا، ما حدا منّا بدّه ثورة. رجعوا لتاريخ التحرك المثلي اللبناني من عشر سنين لهلّق. تركيز التحرّك المثلي لحد هلّق كان على المشاريع الممولة، مشاريع الوعي حول ومكافحة السيدا، نشر الوعي حول المثلية، حفلات خاصة، مجموعات مغلقة، وقدسية السرية وعدم المجاهرة بالميول.
من عشر سنين لهلّق صارت دعوة وحدة للتحرّك، شارك فيها حوالي الستين شخص بشهر شباط الـ٢٠٠٩، بس أكيد، آنذاك كان ضروري يكون في شي ٤ جمعيات غير مثلية مشاركة بالمظاهرة لما ينعرف مين مثلي ومين لأ.
وهون أنا أبداً ما بدّي قلّل من شجاعة اللّي بينشروا الوعي، واللّي بيتحدّوا خوفن وبينزلوا عالشارع كل يوم يكونوا على حقيقتهن. وأنا ما بحب وما بتبنّى المجاهرة بالميول والهوية عالعمّال وعالبطال. أنا خيبتي هيّي من الثورة الوهمية اللّي حاطّينا براسنا، متل كأنّو نحنا مغاوير مناكل راس الحية. مش هدفي تتبنّى الحركة المثلية أسلوب المغاوير. أنا غضبي على الراديكالية الصورية، لأنّو الراديكالية اللي مش مستعدة تكسر ضفر، منّا إلا عذر للإنعزالية البرجوازية.
أنا خوفي هوّي إنّو نكون متل اللّي حذّر منّن سامي بن غربية (الناشط التونسي المنفي): “لا تتركوا ثمار انتفاضتنا ودماء شهدائنا يجنيها أشباه المعارضين وأشباه المثقفين وأشباه الفنانين الراكضين لتولّي مناصب حكومية“.
أنا خوفي ليكون حماسنا وتهييصنا للقضية الفلانية والفليتانية إستراتيجية هروب من واقع عدم رغبتنا بتغيير الأوضاع اللّي نحنا عايشين فيها. أنا خوفي لنكون عم نهنّي غيرنا بالثورة ونتنلهّى عن وضعنا نحنا اللّي يمكن بعشر ثورات ما بيتصلّح. خوفي لنكون متل كل أشباه المثقفين والبرجوازيين، شاطرين نلبس العوينات الكول وننظّر حول كيفية إدارة الشعوب والأوطان، ونحكي بالكبت الجنسي الإجتماعي، ومنعبّر عن تحرّرنا بالشرب والتحشيش والإستشهاد بقوافل أشباه المثقفين الغربيين.
بالنهاية، مش ضروري نسعى لثورة، بس اللّي بدّه يحكي بالثورة، يفكّر بالثورة اللّي عم بيبشّر فيها. من الأساس الحكومة اللبنانية مش معبّرتنا، وبالعكس كتير راضية عن وجودنا ومعظم تحرّكاتنا، وملاهينا المفضّلة بتعصر مصاري للبلديات والحكومات وبتلمّع “صورة البلد الحضارية” بعد أكتر من وباء عمليات التجميل والحاجة الملحة لتقسيط سيارات خيالية.
الحكومة (الله يرحمها على فكرة) مش خايفة منّا. الحكومات بتخاف من ناس متل محمد البوعزيزي، بتخاف الشعب الفقير اللّي الفقر وصّله لحدود الإنتحار. بكل بساطة، المثلية أقلية معزولة وسهلة العزل، بس الجوع مستشري بالمجتمعات العربية والرفاه هوّي الأقلية الإنعزالية.
مين منّا مستعد، أو بيعرف حدا مستعد يحرق حاله إعتراضاً على رهاب المثلية؟ بالنهاية، ما بدنا ننسى إنّو الثورة مش حفلة، ثورة الأرز يمكن كانت سلسة، بس هيدا لأنّها كانت ثورة ميتة من الأساس. الثورة الفرنسية بقيت تنقلب على نفسها وتدبح شعبها فترة ١٥٠ سنة. الثورة الجزائرية إسمها ثورة المليون شهيد، هودي مليون إنسان ماتوا. الثورة الخضرا بإيران مات فيها المئات. تحرر جنوب السودان إجا بعد ٥٥ سنة حرب أهلية، بيشهد اللاجئين السودانيين بلبنان على قصوتها. ثورة الياسمين بعدها بأوّلها ومش معروف شو ممكن يصير.
الثورات مش كلمة بالتم ومش صورة على ورقة، والثورات ما بتصير بشرب الأميريكان كوفي وبالتمويل الأجنبي، الثورة ما بتصير بالأعلام القوس قزحية (بشكل خاص إذا ما كان حدا غيرنا فاهم شو يعني) ومش بالحفلات اللامتناهية. الثورة مش لازم تكون هدف، وإنّما مواجهة لا بد منها منعتمدها لمّا ما يعود في شي نخسره ولا بقا قادرين نتعايش مع الظلم. الثورة هيي لمّا نوصل لمرحلة يكون فيها الموت أسهل من الذل/الفقر/العذاب.
هيدي هيي الثورة، وأنا صراحة ما بقا فاهمة على شو نحنا هلقد منزقّف للثورة.
كيف فينا ندعم الثورة التونسية؟ ليش بدنا ندعم الثورة التونسية أصلاً؟ ما هنّي التوانسة حلّوا مشكلتهن بإيدهن. لمّا نحكي عن بلدان مش بلداننا، الإفادة اللّي منقدر نقدّمها هيي إنّو نضوّي على شهدا وقضايا منسية. ليش ما مندعم مثلاً قضايا متل قضية التظاهرة النسوية باليمن. ليش ما منحكي بشؤون الشعب اللبناني العريض، ليش ما شاركنا بالإعتصام اللّي نظّمه المركز اللبناني لحقوق الإنسان أمام مركز إعتقال الأمن العام؟ ليش ما منكافح غلا المعيشة بلبنان؟ ليش ما منكافح للحفاظ على إشيا متل الضمان الإجتماعي؟ ليش ما منكافح لتطبيق قانون العمل بلبنان؟
بالنهاية هالأسئلة مش للتشكيك بنوايا الناشطين المثليين بهالبلد. هودي بكل بساطة أسئلة أنا بسألن عحالي كل اليوم، ومعظم الوقت جوابي عهالأسئلة بيكون كتير مزعج.
Leave a Reply