المرأة ضحية مظلومة…والرجل ضحية ظالمة

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (No Ratings Yet)
Loading ... Loading ...

825 views

” لو لم تكن المرأة قمة، لما حطم الذكور آثار الربّة خوفاً من تذكر قوتها “. جملة قرأتها في كتاب “نساء المنكر” لسمر المقرن ، جملة لم أنم بعدها. جملة حركت أنوثتي، حركت المرأة في داخلي. عرفت من خلالها أني عظيمة، لا ضعيفة كما يدعون ، لن يشتموني ويسخروا من أنوثتي بعد اليوم. لا، لن يفعلوا ذلك عندما يعون ان أنوثتي عظيمة وأن التاريخ يشهد لي بذلك . لن تنساني ايها التاريخ كما نسيني البشر! لن تنسى أنني عظيمة وأنني عشتار وايزيس والهة الكون .b_thirn

المرأة بطبيعتها قوية، تتحمل الصعاب، وأنوثتها خلقت للعطاء. فطبيعتها البيولوجية سمحت لها ان تمنح الحياة من نبضها ودمها، ان تمنح مخلوقا الحياة، وتعطيه تسعة اشهر من غذائها ووقتها، أن تستنفذ طاقتها وتتألم أيما ألم ليرى مخلوقا جديدا النور والحياة . وقوتها هذه كانت بارزة فأخافت الجنس الاخر، أي الرجل .

في يوم من الأيام، ومنذ فجر التاريخ، كانت الأسرة أموية، والمرأة هي الحاكمة، فهي العقل والعطاء. غير ان طبيعة المرأة الجنسية كما ورد في كتاب الدكتورة نوال السعداوي، هي طبيعة لامحدودة وعنيفة ومتغيرة، لا يمكن ان تخضع لقانون الزوج الواحد وللنظام الطبقي الأبوي. لذا، كانت المرأة بحكم طبيعتها هي الأقوى وهي الحاكمة التي تتمتع بحرية فكرية وجنسية وثقافية . بسبب ذلك، خاف الرجل من طبيعتها وحاول تدمير قوتها طيلة 5000 سنة عبر القوانين الاجتماعية والفلسفية والثقافية والاقتصادية الصارمة التي تتحكم بطبيعة المرأة وتكبت مشاعرها وتشل قدراتها، ليتمكن الرجل من الحكم والسيطرة. وهكذا، فرض النظام الطبقي الأبوي الذي يحلل كل شيء للرجل ويجعل من كل قضايا المرأة وجسدها محرمات. وبعد ان كانت هي الهة الحب والعطاء والكون، حولها الرجل الى رمز للشيطان والاغواء الفاسد، والعصور القديمة شاهدة على المجازر التي اقترفها الرجل بحق المرأة، من دفنها حية ترزق الى احراق الزوجة بعد موت زوجها إلى تحليل بيعها من قبل ابيها إلى السماح للرجل بتعدد الزوجات والعلاقات مقابل تحريم العلاقة الجنسية للمرأة. ولعل نظام البغاء هو أكبر مثال على الجريمة الذكورية بحق المرأة، والتي ابتدعت لتلبية رغبات الرجل، فقسم النساء بين زوجات مكبوتات مسجونات، ونساء باعهن أبيهن أو زوجهن في سوق البغاء .

بذلك، أصبحت المرأة تمثل الجسد بعد ان كانت الروح والملكة والالهة، واصبحت خادمة وظيفتها امتاع الذكور . وبمجرد ان ابتدع الرجل هذه الوسائل الرهيبة والمريضة للجم المرأة وكبتها وسجنها، وبمجرد أنه سمح باستمرار هذا النظام البطريركي الظالم، فهذا يعني انه جبان يخاف قوة المرأة. وما زالت الجريمة مستمرة حتى يومنا هذا، فهذا النظام القاهر بحق المرأة وحريتها ما زال جاثما فوق صدورنا كنشاء وكرجال متحررين من العقدة البطريركية. فالمرأة تعاني اليوم كما عانت في السابق، انما بأشكال مختلفة قد تكون أعنف وأقسى. ما زلنا نعاني الحرمان والظلم والقهر عبر الأعراف والتقاليد والقوانين اللبنانية والعربية والأديان ، وبصورة أسوأ من العصور السابقة. فأين مكانة المرأة اليوم مقارنة بمكانتها في عصور ما قبل النظام الأبوي ؟ أين المرأة اليوم  في الحكم في الأنظمة العربية ؟ أين المرأة اليوم  في القوانين اللبنانية والعربية ؟ أسئلة كثيرة اجاباتها تكمن في علامات الاستفهام هذه. ممنوع على المراة أن تتخذ قرارا في مجلس النواب او مجلس الوزراء، أو أن يكون لها كلمة في منزلها أو مجتمعها أو وطنها. لقد ورثنا عن أجيال سابقة من النساء، الخمول والبرود في كل شيء، نتيجة القهر والظلم والكبت. أصبح قوتنا اليومي ان يضرب الزوج زوجته وأن يخونها وأن يتزوج غيرها، فهو رجل و “ع صباطو”!

نحن في مجتمع تعاقب فيه المرأة ان اغتصبت، وتتحمل اثم رجل باع ضميره من أجل رغبة حيوانية كأنها هي من اقترف الجرم. نحن في زمن كل المقاييس فيه مقلوبة، فبائعات الهوى يسجنن بدلا من القوادين، وتعاقب فيه النساء بتهمة البغاء التي أجبرن عليها من اجل لقمة العيش، أو تحت تأثير المخدرات التي يبيعها رجال في معظم الأحيان. البغاء مهنة الرجال ووجدت لمتعة الرجال، لكن القانون والمجتمع لا يحاسبان الا النساء لأنهما لا يقويا على الجلاد، فيعاقبان الضحية. نحن في مجتمع يمكن فيه للرجل أن يمارس الجنس متى شاء وكيفما شاء ويظل شريفا في نظر المجتمع، لكن ان قدمت المرأة نفسها وجسدها قربانا لحب طاهر ومشاعر صادقة، رميت بتهم الزنا والفسق والعهر والفجور. فهذا المجتمع الذكوري كان دائما وما زال رهينة غشاء البكارة الذي يحكم الانسان الشرقي والعربي تحديدا بسذاجة وغباء.

نحن في مجتمع يختفي فيه اسم المرأة من التاريخ ويندثر في مقابر النسيان، فلا نرى سوى أسماء رجال تسبق أسماءنا في الأوراق الرسمية، هم آباؤنا، لكن أين أمهاتنا اللواتي حملننا في أرحامهن تسعة اشهر وربيننا وسهرن الليالي مضحيات من اجل ابتسامتنا وسعادتنا؟ فاذا بأسمائهن تختفي الى الابد وكأنهن لم يولدن ولم يقدمن شيئا للأجيال وللأوطان.

نحن في مجتمع تمنع فيه المرأة من اعطاء الجنسية اللبنانية لأولادها ان تزوجت بغير لبناني. فأين العدالة في ذلك؟ أين الحق في أن تطمس هويتها الى الابد؟ أين الحق في أن تمنع الام من حضانة أطفالها بعد الطلاق او في حال موت زوجها؟ أي دين وأي قانون يرضى بذلك غير قانون متخلف جائر يخاف قوة المرأة ويزرع الظلم في كل مكان من العالم؟

أي عدالة في مجتمع يعيب على الفتاة المغتصبة، ويغفر للمغتصب الجاني؟

أي حق في أن يخون الزوج زوجته ويعتبر الامر عاديا “ع صباطو”، في وقت تقتل فيه المرأة لمجرد وجود شكوك حول خيانتها أو عدم عذريتها باسم “جريمة الشرف”؟

أي حضارة في تدريب الفتاة على الطبخ والغسيل بدلا من تعليمها لتحقق ذاتها؟

أي حضارة في أمنية الوالدين ان يرزقهما الله ذكرا بدلا من أنثى ؟ أي عدالة في “تطنيش” أخطاء الابن الذكر والتسامح معه في كل شيء، مقابل لائحة الممنوعات التي تواجه بها الفتاة في المنزل وخارجه؟

أي مجتمع هذا الذي يدرب الفتاة على أن تكون الزوجة المطيعة في كل شيء، وأن تتحمل كل ما يصدر عن زوجها من تحكم وسيطرة وخيانة ؟

لقد عودوا المرأة على ثقافة الطاعة والبرود في كل شيء، حتى في الجنس والغضب! فلم نعد نغضب ولا نثور! أجبروها على أن نكون “رقيقات حنونات جميلات”: انها ثقافة الجمال! وهي ثقافة ذكورية تتألف من مجموعة ماركات وكريمات وحركات مصطنعة تجعل من المرأة لعبة جميلة صامتة، مهمتها لفت أنظار الرجل العريس! علموا المرأة أن تعيش من اجل جمالها وأن تنسى قضاياها، وأن تفكر كيف تمتع نظر زوجها الذي خلقت من اجل امتاعه!

هكذا فهمونا وعلمونا، حتى نسينا ان نتعلم ونثور ونغضب، فلم نعد نهتم الا بتصفيف شعرنا ووضع المساحيق على وجوهنا. كبتوا مشاعرنا وأفكارنا وقمعوا رغباتنا الجنسية عبر قوانين صارمة، وقمعوا حرية تفكيرنا ومنعونا من اطلاق سراح رغباتنا لنتحرر ثقافيا وفكريا واقتصاديا. استعبدونا فأصبحنا أسرى غرف النوم والمطبخ، وغدونا خادمات ومومسات في منازلنا نعيش لامتاع الرجل. ما يجب أن نؤمن به ونفهمه هو أن هذا النظام الذكوري هو جائر وظالم إلى درجة تفوق قدرة الرجل نفسه على الاحتمال. فالرجل لا يستطيع ان يحكم العالم وحده، وعندما حكم بات العالم يعج بالحروب والدمار والأزمات والأطماع والغزوات. ان الثقافة الذكورية – ولست أعني الرجل نفسه، بل الثقافة الذكورية المعادية للأنوثة – أدت الى الدمار. هي ثقافة دمار وعدوانية.

يجب أن نعرف أن الرجل نفسه لم يعد يحتمل نظام الشرف والكبت على الرغم من أنه هو من وضع القوانين الصارمة، وهو الآن أمام معادلة صعبة: اما ان يكون ضعيفا لا يرحمه بني جنسه الذكور اذا ما كان متسامحا، واما أن يكون سفاحا قاتلا يحكم على النساء بالعبودية. هذه القوانين الجائرة جعلت من الرجل ضحية ظالمة، والحل أمامه: تدمير هذه الثقافة الذكورية المدمرة، والعودة إلى انسانيته وشراكته المساوية للمرأة.

قد يقول البعض أن في هذا المقال تجن وعدائية ضد الرجل، لكن هذا هو الواقع، وهذه الأفعال ما زالت تمارس في عصرنا اليوم، حتى في لبنان الذي يعتبر دولة أكثر انفتاحا وحرية بالنسبة للمرأة من باقي الدول العربية.

من أجل أن نستعيد قوتنا، ومن أجل أن يستعيد الرجل انسانيته خارج ثقافة الذكورية المتوحشة، أدعو نساء العالم ان يستيقظن من الغيبوبة التي وضعن فيها، وان يصحين ويأخذن حقوقهن من فم الأسد لو كلفهن ذلك كل ما لديهن! من أجل بناتكن وأمهاتكن وأخواتكن وصديقاتكن وحبيباتكن وأنفسكن، ثرن الآن! ثرن واستعدن أمجادنا، كي نستعيد العدالة والحق والمساواة، وكي نرفض أن نكون جاريات ومومسات وخادمات، وكي نعود قائدات وحاكمات والهات من جديد.

Contributed by Carla

Guest Contributor

Leave a Reply