عن عيد الاستقلال… وأي استقلال؟
852 viewsلبنان بلد مستقل… وتبدأ الأسطورة!
منذ الصغر نسمع تلك القصة. أيام الطفولة، كانت هذه القصة ايماناً بالصمود والعنفوان والحقيقة. أيام المراهقة، أصبحت الامل بغد أفضل، بحلم جديد، بمستقبل باهر.
ولكن عندما بلغنا سن النضوج، وبانت الحقائق المتجردة أمام أعيننا، اغتال الواقع المرير جمال الحلم واجتاحت أشباح الظلام ذلك العالم الجميل الذي كنا نتغنى بمجده، وكان اسمه لبنان.
توقفت بالأمس برهة لأحاول ان افهم لم يحتفل اللبنانيون بعيد الاستقلال. لم أفهم! أين الاستقلال اليوم؟ أين الابطال الذين اختتمت بهم كل كتب التاريخ؟ لماذا تاريخنا مشوه، وممنوع علينا ان نتعلم تاريخنا الحديث؟ ما هو الاستقلال؟ اين هو استقلال لبنان اليوم؟
انه ليس استقلالاً سياسياً. فرجال السياسة في لبنان لا يزالون يعيشون في عصور العبودية: عبودية المال والمحسوبية، عبودية القرارات الاجنبية والعربية، عبودية “الريّس” و“البيك” و“الشيخ” و“المير“. نواب، وزراء، مدراء، رؤساء، زلم، اتباع، كلاب… لا فرق بينهم كلهم!
اين الاستقلال؟ أعندما نرى زعيماً يعوي بما لا يفهمه الشعب والشعب يهتف “يعيش.. يعيش“؟
أم عندما ينتقد الشعب ويشتم زعماءه الذين سرقوه ونهبوه واستغلوه وأهانوه، ومن ثم يزحف كالكلب تحت أقدام معلمه حين تحين ساعة الاقتراع؟
أم عندما نرى رئيس مجلس النواب أو رئيس الوزراء أو إبن وزير، وكلهم من أفسد الفاسدين وأكذب الكاذبين، يتفاخرون ويتسابقون لانتقاد الحال ويقولون: “لو كان عنا دولة“؟
وهو ليس استقلالاً قانونياً. فما زل اللبناني، وحتى اليوم، يعيش تحت رحمة قانون ورثناه من العثماني، والفرنسي، والقليل من السوري مع تنقيحات وفلسفات من مختلف دول العالم. وقانون الاحوال الشخصية، وهنا المهزلة، يتفاخر به اللبناني على انه قانون ترعاه الاديان ونصّه الله شخصياً. ولكن، اذا قرأنا هذه الاعراف بتمعن، نترحم على ايام الجاهلية والوثنية. فهمجية الاديان تقتل الله الف مرة في اليوم باسم الله والدين، وتقتل الانسان الف مرة بإسم الانسان والله والدين لدرجة دفعت الله بذاته للتنكر لدينه وشعبه!
وكلما برز مشروع قانون يعيد القليل من كرامة الانسان، يتم تجميده بإسم الدين. وكلما طالبت فئة من اللبنانيين بحقها المذكور في شرعة حقوق الانسان الاولية، يتم قتل هذا الحق بإسم الدين. والويل للذي يعلو صوته بإسم الحق، بوجه الظلم. فإذا اختبأ هذا الصوت من أعين الرقابة التي تدعي حرية التعبير، فهو بالطبع لن يسلم من خناجر رجال الدين.
وأخيراً، انه بالطبع ليس استقلالاً اجتماعياً. فمجتمعنا اللبناني هو خليط من التحرر وهمجية التعصب. ان النضال لحقوق الانسان في لبنان اصبح ينظر له كمضيعة للوقت.
بعضهم يتفاخر بانتمائه للمجتمع الغربي، الاميركي او الفرنسي، ولكنهم لم يتعلموا بعد أن يوقفوا سياراتهم عند الاشارة الحمراء ويحترموا المشاة وعابري الطريق. والبعض الآخر لم ينكر اصله بعد، فيتفاخر صبحاً ومساءاً بانتمائه العربي الاصيل، ولكنه يكره اللغة العربية ويجهل المجتمع العربي ويتنكر للتاريخ العربي.
كيف لي ان اصدق ان لبنان بلد مستقل وديمقراطي عندما أرى رجال الشرطة يتحرشون بالنساء على الطريق في وضح النهار ولا يوجد من يوقفهم؟
كيف لي ان اؤمن بالاستقلال عندما أرى ان معظم اللبنانيين واللبنانيات اصبحوا يسيرون في الشارع بمظهر واحد، ورائحة واحدة، وشكل واحد؟
أو عندما تغتصب حقوق الزوجة ليلياً في سرير زوجها، ولا احد يجيب الى استغاثتها، لأن رجلاً من رجال الدين يقف حرساً على باب غرفة الزوجين، أو لأن أحد نوابنا الشرفاء يجلس في أحضان رجل من رجال الدين عساه يضمن له مكاناً في الجنة؟
اهذا هو الاستقلال الذين تحتفلون به؟
هذا ليس حلمي، وأرفض ان يكون واقعاً نهائياً لوطن انتمي اليه عن اقتناع.
كلبنانية، أرفض ولكني لا أستسلم. فالحلم سيبقى حلماً، الى ان تتفجر النفوس المخدرة في لبنان وتعي ان التغيير لا يدق باب النائمين.
كلبنانية اؤمن باستقلال جديد، بثورة الفكر والقلم، بنبض الشباب النائم الذي سيفيق، اليوم او غداً، سيطرد النوم ويثور على مخدريه وبائعيه.
وليكن حينها استقلالاً نفتخر ان نحتفل به!
في ذكرى 22 تشرين الثاني
Leave a Reply