الاعلان كصراع سياسي
875 viewsلو اكتفى الإعلان ببيعنا منتجات ومستحضرات وخدمات والسلع المادية، لكانت مشكلتي معه أقل حدّة. لكن حين يبيعنا الإعلان أفكارا وسياسات وظواهر، تغدو حربي ضده شخصية.
ليس الإعلان ببريء وساذج، انما هو يعامل المستهلك بسذاجة تسمح له بتحميل الكثير من الرسائل الرمزية والخفية خلف الصورة والفيلم الدعائي.
ولدت الصناعة الإعلانية مع انبلاج فجر النظام الرأسمالي وصعوده بالتزامن مع الصعود اليميني في أوروبا وأمريكا، حيث تم توظيف الاعلانات في خدمة هذه السياسات والأفكار. وبدل أن يجري بيع المنتجات فقط، أصبح الاعلان يبيع أنماط حياة ك”الحلم الأميركي” American Dream، أو تسويق الإنفتاح “الغربي” في مقابل التخلف والارهاب العربي، حسبما كان يتم تصوير العرب وكل من يعادي النظام الرأسمالي في الأفلام، كحركات التحرر في أميركا الجنوبية.
لكن هذا الفكر اليميني الذي يروج لرهاب “كل ما ليس طبيعي” (وما أدراكم ما الطبيعي بنظر المحافظين الجدد)، علّب الجنس والجنسانية والجندر في إطارٍ ذكوري بحت، بحيث وضع الرجولة بعلبة مليئة بصفات القوة والجبروت وحرّم على الرجل البكاء مثلا لأن البكاء للنساء. فلو بكى الرجل، سيظهر بصورة المخنث، وبالحديث عن “المخنث”، روج الإعلان لرهاب المثلية بشكلٍ واضح (مثلاً في هذا الإعلان لصفوف الكاراتيه حيث يقول الإعلان بشكلٍ غير مباشر طبعاً “كي لا يكون ابنك شاذ ويضع مستحضرات التجميل كالنساء سجليه في دروس الكاراتيه”!
وفي الإطار نفسه، استعملت الإعلانات أحرار الجنس بطريقة هزلية لإضحاك المشاهد، لأنه لا مانع بنظر القيمين على هذه الشركات من استخدام صورة هؤلاء التي هي مهمشة أصلاً، كأداة للفكاهة (مثل هذا الإعلان لشركة تأمين).
لكن عندما حان وقت تجميل الصورة، لم يأت التجميل كما توقعت أو كما أحلم أن يكون، بل أتى أيضاً في إطار “الحلم الأميركي”، حيث تم تجميل صورة أحرار الجنس في إطار إجتماعي بحت وليس سياسي،من خلال الترويج للمجاهرة والإفتخار بالهوية الجنسية. تم الاتيان بشعار “مثلي مثلك”، أنا أشبهك وأنا جزء من هذا المجتمع. قام الاعلان بتصوير أحرار الجنس كمتسولي مساواة على أبواب المجتمع الذكوري، لأن الإعلان أصلاً هو في جوهره صناعة رأسمالية، والرأسمالية ليست إلا صناعة النظام الأبوي.
أما في ما يخص الجندر وتعليبه وتوزيع الأدوار وتحديد المهام، فهنا “طلع الإعلان طلعتو”. المرأة ست بيت، تنظف وتكوي وتجلي، وطبعا لا تجيد القيادة ولا دروس الحساب، ولا يهمها إلا الثياب والمكياج والتسوق، وهي غير قادرة على إدارة الوضع المادي للأسرة. المرأة باذخة، غير مسؤولة وساذجة تماما، ولا سيما الشقراوات (شاهد/ي هذا الاعلان).
أما الرجل، فحتى في الإعلان له حصة الأسد، اذ إنه القوي الرياضي، رجل المنزل والمواقف الصعبة، قادرٌ على تحمل المسؤولية، وعندما يتعلق الأمر بإغواء النساء، هو الفنان من دون منازع!
إذا أردنا الحديث عن الإعلانات وتأثيرها، فلن ننتهي أبداً… لذا فلننهي الحديث بنضال مفتوح ضد الاعلان الرأسمالي الاستغلالي.
Hathor بقلم
Leave a Reply