عن “الحب غير المشروط”… يا ماما

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (5 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

1,768 views

“أعشق عمري لأني إذا متّ أخجل من دمع أمي”

أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها هذه الأغنية. أذكر أني وعدت نفسي بالخجل من دموع امرأة سهرت ليالٍ لأجلي من دون كلل أو ملل، ومن دون تأفف أو انزعاج. وعدت نفسي أن أفعل كل ما بإمكاني لإرضائها. هكذا فعلت! تكبدت عناء الدرس المفرط، لم أسهر أو أشرب، وأخبرتها بكل شيء. أخذت بنصائحها. كانت حاملة أسراري وكنت أنا حاملة أسرارها. كانت صديقتي المفضلة¡ حتى جاء اليوم الذي فطر قلبها وقلبي وانكسرت علاقتنا في آنٍ واحد. أنا حاولت. أقسم أنني حاولت جاهدة كي لا نصل إلى هذه المرحلة. لكن ها نحن نعيش تحت سقف واحد، كلما حاول جمعنا، تفرقنا أكثر فأكثر.

أذكر كيف أهديت أمي هذه الأغنية في يوم عيدها الذي يصادف في أسبوع عيد الأم. وكيف كنت أنتظر موسم الخزامى والفل لأتي الى البيت محملة بكل ما أستطيع حمله أو أدفع ثمنه من مدخولي المحدود. توقفت عن كل هذا يوم علمت أن أمي لن تتقبل الشخص الذي أصبحت. لم تعد الامرأة التي ربتني وأحبتني من كل قلبها. لم تعد سوى شخص أخشى مواجهته وأتفادì لقائه.

أجد نفسي خلف مقود السيارة التي اشتراها هو وسجلها باسمي من دون علمي. ها أنا عالقة بين سيارة ال”همر” العملاقة وشاحنة ال”مرسيديس” الصفراء المطرزة بكلمات أليفة وغريبة عني في الوقت نفسه.

.”الله يحميها” و “عين الحسود لا تسود” و”لا أخاف الموت لكن تقتلني دمعة أمي!”

لا اخاف الموت لكن تقتلني دمعة أمي! لكن ماذا عن دمعتي؟ ماذا عن دمع أولاد يكتشفون فيما يكبرون، للمرة الأولى، أن المبادئ التي تربوا عليها ليست إلا نظرية ولا مجال لتطبيقها في حياتهم/م؟ ماذا عن دمع أولاد يكتشفون نفاق أهلٍ كانوا بالنسبة لهم بمثابة آلهة؟ ماذا حل ب”تقبل الناس على جميعا دون التمييز”؟

نولد ونكبر على فكرة أن أهلنا يمدوننا بحب مطلق، غير مشروط. نكبر على أنهم يتقبلوننا كيفما كنّا، ويدعمون قراراتنا الحياتية وان لم يؤيدوها، ليس لأنهم مجبرين، بل دعماً لنا وثقة بنا. لكننا ننسى أن أهلنا ليسوا إلا أفرادا داخل مجتمع لا يرحم، وهم بدورهم لن يرحموا قلوب أولادهم. لن أقول أن أهلنا لا يحبوننا، لكنهم بالطبع لا يحبوننا حبا مطلقا! الحب المطلق لا وجود له سوى في قصص الخيال وعالم الأحلام.

تعلمت هذا الدرس المؤلم عندما أخبرت أمي عن ميولي الجنسية. عندما قالت لي أنني عار على عائلتي، وأنها لن تتقبل هذا الواقع. عندما طلبت منيّ “تجليس” نفسي. عندما نعتتني بال”شرموطة” والمنحرفة. عندما قالت أنني “آقتل” والدي “بتصرفي” هذا، كما لو كان عندي خيار. لم أختر ميولي، كما لم تخترني هي إبنة، ولم أخترها أماً. لكن ها نحن أماً وابنتها نحب بعضنا البعض حبا لا يمكن وصفه إلا بالمشروط. مشروط بأن أغير كياني لأسعدها، وهي بتقبلي كما أنا لتسعدني.

أنا لا أنكر وجود حبها، لكن عندما لا يبان الحب، يصعب تصديق وجوده ويصعب أكثر الاحساس به. تحبني لكنها لا تتصرف بحب. تحبني لكنها تشعرني بالكره. تحبني لكنها تقتل هذا الحب بقسوة كلامها. تحبني رافضة تقبّلي. تحبني من دون أن تشعرني بالأمان، أو أن المنزل الذي نقطن هو بيتي. تحبني على طريقتها وضمن شروطها.

“أعشق عمري لأني إذا متّ أخجل من دمع أمي”

أعود وأدندن الأغنية وأقول لنفسي: “لماذا أخجل من دمعة أم لا تخجل من دموع إبنتها”؟

Salma
تائهة بين حيطان الجامعة، شارع الحمرا، وكتب في غرفة نوم داخل منزل تننظر اليوم التي ستحيا خارجه. صديقها المفضل ال "لاب توب" بحيث اصبحت لا تعرف التعامل مع الناس إلا من خلال شاشته. تؤمن بالثورة وقدرة الثورة، وحاليا تمر بسلسلة من ثوراتها الخاصة. بحاجة ماسة لمنزل في الطابق ال١٨ لتعيش اغنيتها المفضلة ولو للحظات.

Leave a Reply