سجّلن… أنا عربية
782 viewsأعلن اليوم أنني أنتسب عمدا وبإرادتي الحرة الى العرب كمتحررة الجنس, ككويرية كإنسانة تثور على جسدها من داخل جسدها فثارت على الحدود اللغوية والثقافية التي فُرضت عليها فلا تنفصل ثورة عن ثورة أو تمرد عن تمرد. عشت في مصر, سوريا وفلسطين لمدة سنتين وزرت لبنان عدة مرات رأيت بأم عيني كل ما يعانيه الشعوب العربية من استبداد وحرمان وسلب كرامتها وتشجيع الرجعة والتخلف بين صفوفها إلى درجة قريبة من أن تصل بي إلى حالة يأس. وإذا به من لامكان, من الفراغ بل النسيان ينبعث الانفجار, الانفجار الذي أكد لمنظر مثل أدونيس بطلان “تخلف العقل العربي” وكأن هناك عقل عربي واحد وليس عقليات وتيارات وميول وأفكار ليس التخلف إلا جزءا منها وإن كان مستشري سواء أكان دينيا أو غير ديني. نحن الساعون الى التحرر الجندري والجنساني لانسعى إليه بمعزل عن تحرر سياسي واجتماعي واقتصادي شامل. لا نقبل ولن نقبل تحررنا ملقى علينا متجزئ مفتتاً.
لا أتصور, بعد, أنه سيكون بإمكاني غدا أن أجلس في مقهى ما على شوارع بيروت بتنورة وبلوزة حفر وأن أقرأ مجون أبي نواس وأدخل خدر عنيزة مع امرئ القيس لأجني جناها المعلل, بيد أني لم أتصور أول أمس أن تونس ومصر ستتفجران تمردا بالسرعة والعفوية اللتين ثارتا بهما؟ اذن, كلمة مستحيل لاتعني ما كنا نظنها, بل تختلط معناها بالممكن وأكثر من ذلك بالأمل الذي قالت عنه أم كلثوم إنه لولا عليها لكانت في حبك ضحية. بعد اليوم نرفض أن نكون ضحايا الظلم وضحايا نظم سياسية واجتماعية طاغية ذات قبضة حديدة تصر على إنكار كرامتنا. بعد اليوم تتراءى لنا في العالم العربي ربما لأول مرة في تاريخنا الحديث أن حديد تلك القبضة بدأ يتصدأ.
سنظل نؤكد نحن المنحرفون والشاذّون المشاكسون الكاسرون القوالب على مكاننا/مكانتنا في الثقافة العربية وفي مجتمعاتها
لاتنسوا يا أهل لغة الضاد أن الضاد هي أول حرف في جذر مضاجعة وأن العين أخر حرف ونصر على أن الضياع عن العروبة لن يكون مصيرنا
لقد اخترت طوعا الانتساب الى العربية والعرب لأن في قلبي من زمان طويل نفس الوجع المختلط بالشغف الذي أسمعه في غناء أم كلثوم وأشعار درويش وغضب مظفر النواب والعطش للكرامة في عالم يظل يجردنا منها بدون توقف. وجدت بين المذكر والمؤنث كلمات وأحاسيس تحطم هذه الثنائية الخانقة الملغية لتنوع الوجود البشري. وجدت في حلم فلسطين رفضاً شامخا لكل محاولة لإلغاء وجود هوية وأعلى مثال للتمسك بالحق. تعبت وشقيت وعانيت في رحلتي هذه من عدة نواحٍ غير أني لم أنكر يوما إحساسي بالانتماء ولم أشعر يوما بتناقض بينه وبين هويتي الجندرية والجنسانية رغم التجريح والألفاظ النابية ونظرات الاستغراب والتشكيك في أمري.
وكما قال درويش في مطلع رائعته “حالة حصار:
” هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ!”
فأيها المثليون والمنحرفون والشاذون والمتحولون والشراميط والعكاريت المنايك والنياكون والفاسقون والفاحشون والممحونون الذين ينطقون بلسان العرب, وكل من نعت يوما بالخروج عن القالب تعالوا نربي الأمل مع شعوبنا التي تتفجر. مكاننا لا يقع في الانفصال عنها بل في تشابك أيدينا بأيديهم فنحن نسعى الى الحرية التي يسعون اليها ونريد استرجاع كرامتنا مثلهم تماما. قد نظل غير مقبولين في الفترة القادمة ولكننا بعد اليوم لن ننكر ولن نلغى من الوجود فلنلتحم بتفجر البركان الغاضب ونربي الأمل الذي كان ينقصنا قبل بضعة أيام.
من يريد هوية – مثل أحمد العربي – (استعانة بدرويش مرة أخيرة) ما عليه إلا أن يصاب بالبركان.
بقلم سونيلا سنبلة
Leave a Reply