!في انتظار الإمام… المثلي

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (1 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

399 views

على مقاعد المقهى الصغير، ومتوزعين خارج بابه، كان الاعتداد ضيفاً طارئاً على كلامهم وملامحهم. اعتداد، ربما هو تعبير فضفاض لحديث عن: عربي ومسلم ومثليّ الجنس في أوروبا. المهم أنهم في مؤسسة «بيت قوس قزح»، الأم لجمعيات المثليين، كانوا يتهيأون لاستقبال أب روحي. إنه سيدني جونسن، قبل أن يتخذ اسم داعي عبـد الله، الذي سيلفت الانتباه حيثما حلّ.

الرجل الذي يدنو من الستين، هو إمام مسلم ومثلي الجنس. تأخّر اللقاء معه، لكن انتظارهم لم يكن ثقيلاً. كان جو من المرح والحيوية على سطح دردشاتهم. سعيد كان أيضا متفائلا. زيارة «الإمام المثلي» ستسهم، برأيه، في إعطاء الأوروبيين نموذجا آخر عن المسلمين. نموذج يرى انه «يحذف الأفكار المسبقة لديهم عن إسلام غير متسامح». إنه إمام يجادل في أن دين الإسلام يتسع للمثليين. هذا عن الرد على محاربي الإسلام. لكن أيضا سيكون المثليون أمام حالة صالحت بين دينها وهويتها الجنسية، ولعلّهم يلتفتون إلى أن مصالحة كهذه «ليست سهلة، لكنها ممكنة وضرورية»، كما يرجو سعيد.

سعيد ليس اسماً حقيقياً، بل اسم اعتمده الشاب ليقدم نفسه ونشاطه، في جمعية للمثليين من ذوي الأصول المهاجرة. هو مثلي الجنس، لكن في السرّ عن عائلته. والده من المهاجرين المغاربة، وأمه بلجيكية. يمكن أن تجالسه، وتحادثه، ولن تعرف شيئا عن هويته الجنسية. وخلال زيارة داعي عبد الله سرى أنه سيؤمّ المصلين في أحد جوامع مدينة أنتويرب. نسأل من هضم قصة الإمام المثلي، وتحمّس لقدومه، عن صحة هذه الخبرية وتبعاتها؟ لكن سعيد يفاجأ تماما: «أنا… لو كنت مكانه لما فعلت هذا.. ولكن أظن أن… هل هذا فعلا صحيح (بدهشة). أوففف… لا أعرف، إلى حد ما من المنطقي أنه كإمام يقرأ الصلاة. لكن أفهم أيضا أن هذا سيكون صادماً، لأن الأمر غريب بالنسبة لي أيضا. هذا بالفعل غريب برأيي. ربما أنا محافظ زيادة، لأني أحس أن هذا تقدّمي بالنسبة لهذه المرحلة». والجملة الأخيرة يقولها سعيد ضاحكا، بين المزاح والجد.

يصل الإمام المثلي ويتحلّق حوله المتلهفون. رجل أسمر طويل وضخم. نمرة حذائه، على الأرجح، تتجاوز الخمسين. يرتدي جلبابا وفوقه سترة خفيفة وطويلة، توحي بالوقار، كالتي يرتديها رجال دين مسلمين، ومثلها على الرأس واحدة من تلك القبعات الإسلامية، القماشية البيضاء. يعني، باختصار، كانت رؤيته بمثابة «مجزرة» لما يمكن تصوّره مسبقا عن إمام مثلي.

جلس في صدر قاعة صغيرة. المكان لا يتسع للكل جالسا، فافترش الأرض عديدون. رجل مثله يعرف أن حياته تسير في قصة، لذلك كان طبيعيا أن يبدأ برواية ما انقضى من قصته. قال النبي محمد، اطلبوا العلم ولو في الصين. وداعي عبد الله كان يطلب العلم هناك، ولا يعرف شيئا لا عن المسلمين ولا عن نبيّهم. في بكين كان يدرس الصينية، وحدث وتعرّف إلى الإسلام، ثم عاد ليعلن إسلامه وهو في أواخر العشرينات. أسلم، ثم سافر ودرس في جامعة الرياض، ومع أحد الشيوخ هناك. أقام أيضا في القاهرة ليتابع تعلّمه الديني. لم يتحدث كثيرا عن تجربته تلك، لكنه نقل أنها تركت مرارة فيه، وبعد حديث معه كان واضحا أنها مرارة لا تمحى. فقط قال شيئاً عن عيش ناس مسلمين يناقض إسلامهم تماما، وألمح إلى أنه عاين فسادا في كل شيء.

عاد إلى أميركا ليدرس المحاماة، ويختص بالتشريع الإسلامي. أطروحته للماجستير كانت عن تأثير السياسة والسلطة عبر التاريخ في إنتاج تفسيرات مختلفة للقرآن، وفي تكريس تفسيرات معينة لخدمتها. هنا حطّنا الجمّال، عبد الله، ليقول إن الإسلام لا يعلن عداء للمثلية ولا يحاربها، بل هناك من فسّر وكرّس قراءته ثقافةً، وصار يحارب من يعارضها. الحضور كانوا من المثليين، ومعظمهم ذوو أصول مهاجرة، إضافة إلى أصدقاء وداعمين لحقوقهم. لذلك، كان من المتوقع أن يسأله بعضهم إن كانت في القرآن آيات تشرعن المثلية أو تقبلها. قال لهم إن القرآن لا يذكر المثلية صراحة، لكن آيات عدة «تحكي عنها في شكل رمزي». صار يشرح عن آيات تأتي على ذكر الرجال الذين «لا يرغبون» في النساء. تفسيره أن الكتاب المقدّس للمسلمين كان يقصد المثليين هنا، لأن القصة برأيه تدور حول رغبة أصيلة منعدمة تجاه النساء. لدى الإلحاح عليه ليعطي أمثلة أخرى، أشار إلى عنوان بريده الالكتروني الذي كتبه على لوح، وقال إنه سيزوّد من يريد بالتفاصيل والآيات بدقة.

وكأي إمام آخر، صار البعض يسأله نصائح. أحد الحاضرين كان يشير إلى كرسي فارغ في جواره، ويقول إنه لحبيبه الذي «ترك القاعة لأن لديه سؤالا لكنه خائف من المواجهة». كان سؤالاً عمّا يفعل ليواجه عائلته التي تريد تزويجه، ولا تعلم بمثليّته. الإمام عبد الله ردّ بأن كل شخص يصنع مصيره وقراراته، وهو الذي يقرر التحدّي أو يذعن. لكنه، شخصيا، يشجّع على المواجهة، وأن يعلن مثليو الجنس هويتهم أبكر ما أمكن، خصوصا أن الزواج قسرا وإنشاء أسرة لا يحل المشكلة الأساسية.

ورغم كل هذا الحديث التفصيلي بقي هناك من لا يصدّق ما يسمع وما يرى. هناك شابة توجهت له لتقول إنها لم تسمع في حياتي عن إمام ومثلي؟! ضحك من ذلك، وقال لها إن عدم سماعها بأمر لا يعني عدم وجوده. قال لمستغربين آخرين إنه: نعم، أمّ الصلاة مراراً، وأكمل «وحتى الآن لم تنشقّ الأرض لتبتلعني ولم تتهدم الجدران فوق راسي».

الإمام عبد الله في الأساس تستعين به الحكومة النرويجية، ويعمل مستشارا لها للتواصل مع المجتمع الإسلامي، ولبناء «شبكة للمسلمين التقدميين». وعندما أنهى لقاءه كان لا يزال حوله بعض من تربطهم به علاقة سابقة. كان بينهم شبان عرب مثليون، يديرون منتديات الكترونية لمثليين في بلدان عربية. بالطبع، هناك مثليون كثيرون في بلدان عربية سيفاجئهم «ظهور الإمام» المثلي، وقد ينتظرون شيئا ما. سيكون الإمام المنتظر بالنسبة لمن يعوزهم أيّ مثال في حربهم الصعبة لحقوقهم. نسأله إن كان يفكّر في نشاط أو زيارة إلى بلدان عربية. لكنه ينفي ذلك قطعيا، ويعلق ضاحكا: «لن أضع رأسي على صحن وأقدمه لهم».

المرارة التي يبدو أنها لا تزال تلازمه من تجربته في بلدان عربية، تقود حديثه إلى مكان ملتبس. يقول إنه يعمل ويعيش «في هذا الطرف من الديموقراطية، وعليهم (المثليون العرب) خوض معاركهم الخاصة، فالحرية ليست مجانية. المشكلة أننا في بعض الأحيان سمحنا بشكل زائد عن اللزوم للمهاجرين والمثليين بالدخول إلى بلدان غربية. هم يتوقعون منا أن نعمل كل شيء عنهم. لكن لعبة السلطة التي تمشي في بلدان إسلامية، حيث تدفع لأحد كي يقوم بكل شيء عنك، لا تمشي هنا في الغرب». ينفعل «زيادة عن اللزوم» وهو يرد على هذه الأسئلة، ويقول معترضا «هذه أسئلة سياسية جدا»! المرارة قد تُعمي أيضا، وتشوّش وتنمّط، حتى لو كان من يتحدث هو إمام مسلم مثلي الجنس.

(بروكسل)

- بقلم وسيم إبراهيم (نقلاً عن جريدة “السفير“)

Guest Contributor

Leave a Reply