وللأدب النسوي…اعترافاته
480 viewsعلي الاعتراف، بهدوء واعتذار، بأني أحمل أفكار مسبقة سلبية عن الكاتبات النسويات العربيات. وأن حكمي هذا لا يستند الى أي قصص أعي انها السبب الأول، الفتيل. حسنا أول ما قرأت كان “ذاكرة الجسد”، كل ما أذكر منه هو بقايا لفافات رجل في غرفة السيّدة “أحلام مستغنامي” وشيء ما عن زنده وفراغه، لا الفراغ من دونه.
واذا بحثت في طفولتي عن أسباب ارتيابي من الأدب الأنثوي قد أعود الى صباحات سنين الابتدائية. كنت أستيقظ باكرا عمدا متعمدا لأستمع وجدتي الأرجنتينية القصيرة سارة أغنية “هاذا الون عليكي يجنن” لكاظم الساهر، من ثم نتحدّث ونؤكد لبعضنا بأننا نطرب لصوت الرجل أكثر من المراة.
غير أني مع الكبر عدّلت من موقفي، وصرت أستيقظ باكرا لأذهب الى المدرسة مع عمتي التي تسمع فيروز صباحا. وعندما كان الراديو لا يلقّط إذاعة صوت الشعب، او عندما كنا نركب السيارة بعد السابعة والنصف صباحا، موعد النشرة الاخبارية، كانت تنتزع صباحاتي.
أنا أنظر بدونية، طبعا ليس الى المرأة النسوية، بل الى قصّتها، وكأن هذا أرحم. هل هذه النظرة الدونية تستند الى المؤسسة الذكورية فقط؟ بالتأكيد للمؤسسة يد. لكن هل يسببها أيضا حال نسوياتنا المحبط؟ أكاد أجزم أن في غضبي، غضباً عليهن ومنهن. أريد أن أصفعهن وأنا أبكيهن. هل علي تفكيك قصصهن ومعرفتها معرفة وثيقة قبل اي حكم؟ أكيد، أجرّب.
ربما أخاف أن أقرا لإمراة لم تثر بعد. امرأة لا تعي الدور الجندري المفروض عليها ولا القيد الجنسي المفروض عليها وعلى الذكر. أهناك واحدة قالت انها تلتذ بفرج عشيقتها أو قضيب عشيقها؟ وواحدة حية رفضت العنف من الطرفين، الأنثى والذكر؟ وأخرى أعلنت أنها كوير – من أحرار الجنس من خلال قصة محبكة مجددّة لغويا؟ أين هي تلك التي ثارت؟ أخاف برجوازيتها.
هناك قسم آخر من النسويات يلقين محاضرات على شكل قصص تلقينية، للشعب كي يستفيد. حدّ الله بيني وبين هؤلاء. وأخريات تردن التخفيف من صورة خضوعهن، باقامة صفقة مع النظام، بالمطالبة بحقوق معتدلة مجتزئة كحق “العمل” اليوم وحق “الانتخاب” غدا و”عدم التعرض للضرب بعده” ، فهنّ والله سيعتنين بالولد والزوج ولقمته. رغم إعتقادي أن هكذا تقدم “مرحلي” يقوي السلطة البطريركية، فالمؤسسة الذكورية ذكية، تعرف ما تقبل وما ترفض، وكيف تفضّي القضايا من معانيها وتحيّدها عن أهدافها. لكن إن حصل أي تقدّم، بمضض أسانده، فالمواقف الرنّانة، والمثالية الرافعة من شأن مطلقها، ليست أبدى من مصلحة الملايين. وبناء عليه، عليَّ إيجاد رغبة لقراءة هكذا أدب سلطوي يملي على المرأة طريق الخلاص.
لا أريد نواحا نثريا. لا ندب الا اذا كان مقرونا بثورة. لا أقرا لنوال السعداوي. بالصدفة عرفت عن رضوى شعار، من كتاب زوجها مريد برغوثي! أريد أن آتي بكتاب لها، لكني أخاف أن أضيّع وقتي. ربما لان واقع مجتمعي لم يترك فيه أثراَ لأعمالهن.
ها هي أمي الآن تشرب القهوة عند هيام ابنة الثلاثة وثلاثين ربيعا وجدّة “زازا.” هيام لوحدها مكافحة نسوية، وهي لا تدري.
المهم أنا لا أقرأ أدبا نسوياً. والأنكى لا أقرأ للنسويات العربيات. أعيش المعاناة حولي من جارتي ورفيقتي وأمي وأختي وحياتي.
عندما يأخذني الرجال والنساء الى السجون، أو لحظة الالتقاء مع الأرض، أو الحب، أو العبث أتلذذ، أنتفض، وألكش ما أريد برجلي. سحر مندور مثل يذكر. تعرفت عليها صدفة وهي شقية ومرحة ومندفعة. مفهوم كتاباتها نسوي بطبيعة مفاهيمها، لكن ما تكتبه شخصي أكثر من اي شيئ آخر. أفضّل الكتابات الشخصية المتمردة جنسيا وسياسيا واجتماعيا. تلك اللاذعة والساخرة والرقيقة، لا التي تجسد حال الملايين بسطحية ضحيلة. نتعرف يوميا على حال الملايين. نحن منهنّ!
أتعرف على الملايين، وأعرف ان علينا رصّ الصفوف كنسويات، أن نرسم خطةً وهدفاً، وزمناً لنبدأ الكفاح، لنتحرر كانسان من الذكوية وأي تمييز وظلم في بقاع أرضنا العربية. كما أعتقد أن في القضية النسوية، كما في قضية فلسطين، الثقافة هي نصف الكفاح. لكن ان أجبرت نفسي وقرأت أول قصة نسوية عربية يقترحها علي فلان، ماذا لو لم أقاوم الحزن في نبرة أديباتنا النسويات. إن غصت في الحزن وهو كثير. إن حكين فعلاً كيف لا يُحزنّنا، لكن ان كنَّ قد حكين فعلا في قصصهن، كيف الى الآن لم يثرن؟
- بقلم: ن.ح.
Leave a Reply