لكم دنياكم ولي دنياي
394 viewsعنوانا.
الموقف الأوّل في صغري، خلالَ سَنوات عمري الأولى، حين كنتُ أرى الفتيات حولي
يَتباهَيْنَ بشعورهنَّ الطّويلة، وفساتينهنّ الزّاهية، وحقائب اليد الملوّنة
أيّام الأعياد. كان من المفترض أن أكون كذلكَ، أو هكذا افترض الجميع، ولّما لم أكن
مثلهنَّ قالوا :” مسكينة هي، قادمة من عالمٍ آخر مقلوب”. علمت يومها أنني
أشعر بما لا يشعرون.
الموقف الثّاني كان أيّام مراهقتي التّعسة، كان الجميع أيضًا يتوقّع مني أن أكونَ
تلكَ الفتاة المدللّة، الّتي تحلم بالشّاب الجميل الذي يحملها على خيوط
الخيال. توقعوا أن أحلم بالفتى الذهبي الذي يسابقني على شاطئ البحر برومانسية
فتانة، ولمّا لم أكن كذلكَ، ولم تتملكني روح “الأنثى الصّارخة”، قالوا:” مسكينة
هي، تعيش في أبراج من رماد”. علمت حينها بأنني أحلم بما لا يحلمون.
إلى مهاوٍ خطرةٍ كهذهِ؟! أي تحدِّ سافرٍ لقوانين السماوات والأرض أنا؟! أليْسَ
تجديفًا وتعالًيا وشذوذًا أن أحبّها هي؟! فتساءَلتُ يومها عن علاجٍ للعواطفِ…
حاولت أن أجد مبررا لجريمتي لم أجد… قلت لهم أنني خلقت كذلكَ، فقالوا:” دودة
حقيرة، وصوت شاذ يريد أن يدقّ عروش الفطرة السليمة”. علمت حينها أنني أحبّ بطريقتي، لا
كما يحبّون.
الموقف الرّابع كانَ حينَ نَظَرتُ في المرآة فلم أجد نفسي… ولم أتعرّف إلى
هويّتي. رأيتني وطنين على أرضٍ واحدة، وروحا مسجونة داخل الجسد لا تطلّ الى
الخارِج إلا من نافذتين صغيرتيْن. علمت يومها أنّ المرآة الّتي تُريني نفسي على
حقيقتها قد انكسرت إلى الأبد، وأنَّ شؤمَ انكسارها سيلاحقني أيضًا إلى الأبد.
علمت يومها أنني أرى نفسي لا كما يرون.
يكون لي الحلم بالمستقبل، أيّ مستقبل، كلّ ما أردته هو أن لا أسجن في الحاضر،
فيتمكّن مني الماضي ويشدّني إليْهِ شدّا، ولكن النّاس لم يجدوا بي إنسانًا يستحقّ
المستقبل، ولا مخلوقًا يستحق عناء التفكير به، ورموني عند أوّل منعطف كأيّ
راحلٍ عن الحياة… أدركت يومها كم أنا إنسانة مختلفة.
بقلم سبيل نسيم
Leave a Reply