“!اه…أنا ساكنة بالمخيم…وبحبها هي”

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (6 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

965 views

في احدى لحظات الانقطاع التام عن المجتمع، وما يرافقها من أعراض تشبه الى حد ما أعراض الأزمة القلبية، أحب ان اسميها على سبيل المزاح الاحتباس الحراري الاجتماعي، وجدت نفسي اهرب من زيارة عائلية من المفترض ان تكون طبيعية في ساعة متأخرة من المساء، عائدة الى منزلي في بيروت حاملة معي شعورا بالغربة التامة عن المجتمع وما يرافقها من أحاسيس متضاربة غير واضحة !

بقعتي الصغيرة هي جنتي على الأرض، أعيش معها علاقة غرام ابدي، بل دعوني أقول أن زواجنا كان مارونيا من الأساس، أي منذ اللحظة التي حصلت فيها على حريتي واستقلالي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد توجت هذا الحدث بالانتقال الى هذه البقعة، ومنذ تلك اللحظة، عرفت ان علاقتنا لن تنتهي الا بوفاة احد الطرفين !

واثناء عملية الاسترخاء الروتينية امام شاشة الكمبيوتر، والشعور اللذيذ بالحميمية مع المكان، وفي وقت غير متوقع أبدا، حضر على بالي مشهد الهجرة الجماعية من فلسطين، العائلة بأجمعها تهرب في مراكب بدائية الى اقرب شاطئ آمن في جنوب لبنان، حيث قرر جدي البقاء في اقرب بقعة الى فلسطين، لأنها وبحسب توقعاته انذاك “ابو اسبوعين بالكتير تلاتة وبنرجع”. وطبعا ما تبقى من الحكاية معروف للجميع، وفقط للاشارة، في ما بعد، تم دفن جدي ومن بعده جدتي في أقرب بقعة ممكنة الى البلاد الضائعة !

ومن المشهد التراجيدي غير المنتظر بتاتا، انتقلت وبملء ارادتي الى كابوس يقظة عالي الجودة، تضمن مشاهد رعب لها علاقة بفقدان الوظيفة، وبالتالي فقدان البقعة الامنة الوحيدة على وجه هذا الكوكب، وما سيتبعها من محاولات البحث عن حلول اغلبها لن يكون مجديا، وعن احتمال التفكير مجددا بالهجرة الى الخارج وما سيتبعها ايضا من معاملات رسمية، وساعات انتظار وترقب على ابواب السفارات، وافكار انتحارية لمشروع هو من الاساس لم يكن في الحسبان.

لم اعتقد اني فهمت يوما معنى ان يفقد الانسان كل شيء، مثلما فهمت في هذه اللحظة. بحثت في كل الاحتمالات عن جديد، أعدت مشاهدة الكابوس على العرض البطيء، وتوصلت الى اقتناع تام باستحالة حصول هذا الأمر، فهذا الموضوع خط احمر، يعني مسألة حياة أو موت !

“اه..انا فلسطينية..ساكنة بالمخيم كل حياتي..اه وبحب جارتي..فيكو توخدو كل اشي..ما اصلا اخدتو كل اشي..بس ما فيكوش توخدو عقلي..ولا جسمي..ولا فيكو تشيلو حبها من قلبي!”

هذا كان جواب امرأة فلسطينية عندما تم اكتشاف مثليتها الجنسية من قبل الاخرين، وكانت أول عبارة لوم تعرضت لها هي “فلسطينية..وساكنة بالمخيم..وكمان بتحبي جارتك” ؟!

طبعا هذا المشهد الذي حضرني لم يكن عشوائيا، لطالما كنت معجبة بجواب هذه المرأة، على قدر استيائي من السؤال، لدرجة اني فكرت مرة في التعرف عليها، وتخيلت نفسي وأنا أكتب عنها لأعطيها بعضا من الحق الضائع !

انا ايضا مثل هذه المرأة، لن أساوم أبدا. كتبت بشاعرية عن بقعتي وعلاقتي بها، برومانسية عن حريتي واستقلاليتي والخط الأحمر التابع لهما، بمرارة عن هجرة العائلة القسرية وأحلام العودة، فقط لأعتق نفسي ولأول مرة من هذا الوهم للأبد. نعم أنا مستعدة لأن أتخلى عن كل شيء في آخر المطاف!

نعم باستطاعتكم ان تأخذوا كل شيء ..

لكم البقع والاماكن ..

لكم النقود والممتلكات..

لكم النجاح بل انسبوه لأنفسكم..

ولكن أنا لي تلك المرأة الفلسطينية..

لي عقلي وقلبي وجسدي..

لي مثليتي الجنسية..

خطي الأحمر الجديد  !

- بقلم RRg

Guest Contributor

Leave a Reply