أطفال القمر”: المتحولون/ات والثورة – الجزء الأول”

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (2 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

850 views

كنت في عمر العاشرة عندما قرأت أسطورة الخلق الاغريقية التي ترد على لسان الكاتب الاغريقي “أرستوفانس” في رائعة الفيلسوف “أفلاطون” “سيمبوزيوم”، وشعرت بتأثر كبير. ثم قرأتها مجددا في عمر السادسة عشر، بطريقة مختلفة، واليوم، أقرؤها بطريقة مختلفة أيضا. تفسر هذه الأسطورة أصل الحب، أي أصل العالم، قائلة أن العالم قديما، قبل أن يصبح بالشكل الذي نعرفه، كان يتألف من ثلاثة أجناس: أطفال الشمس الذين تألفوا من رجلين في جسد واحد، وأطفال الأرض اللواتي تألفن من فتاتين في جسد واحد، وأخيرا أطفال القمر الذين تألفوا من امرأة ورجل في جسد واحد، أي كانوا مزيجا من أطفال الشمس والأرض. “أطفال القمر”. وتتابع الأسطورة لتقول أن الآلهة خافوا كثيرا من قوة أطفال الشمس والأرض والقمر، فقرروا القضاء عليهم/ن، فأمسك الاله “زيوس” بكمشة برق عليهم/ن وأطلق ضحكة قائلا ” سأشطرهم الى نصفين” ثم ضرب الأطفال بها وشطرهم/ن الى نصفين، ومنذ ذلك الوقت، يجوب هؤلاء العالم بحثا عن نصفهم/ن الآخر ليتحدوا/ن معه/ا.

في الواقع، رمزية هذه الأسطورة قيمة جدا، الى جانب قيمتها الأدبية. فكثير من الحركات المثلية في العالم، استخدمتها لاثبات أصالة المثلية وحضورها في الميثولوجيا التاريخية العريقة، معتبرة أنها تفسر الميول الانسانية: فأطفال الشمس هم المثليون اليوم الذين يبحثون عن نصفهم الآخر بين الرجال، وأطفال الأرض هن المثليات اللواتي يبحثن هن نصفهن الآخر بين النساء، وأطفال القمر هم/ن النساء والرجال المتغايرين الذين/اللواتي يبحثون عن نصفهم/ن الآخر بين أفراد “الجنس الآخر”. وتأتي هذه الرغبة بالبحث عن النصف الآخر، من رغبة الإنسان بالشعور بالاكتمال مجددا، وهذا الشعور هو الذي نسميه “الحب”.

وعلى الرغم من أن هذا التفسير للأسطورة يبدو مغريا وجذابا، إلا أني قرأتها بطريقة مختلفة نوعا ما، قرأتها قراءة جندرية انطلاقا من السحر الذي أصابتني به فكرة “أطفال القمر”: امرأة ورجل في جسد واحد، انه الكائن الذي لا يحتمل، الكائن “الخالي من الجندر” اذا صح التعبير، أو هكذا بدا لي، انطلاقا من النظرية التي تساوي بين الكمال المطلق، والعدم المطلق، فلو جمعنا كل أشكال الجندر في شكل واحد، سينتج عن ذلك انتفاء الجندر من الأساس. هلق بالطبع، الرجل والمرأة ليسا الجندرين الوحيدين على سطح الكرة الأرضية، مهما أصرت مجتمعات العالم بكل مؤسساتها القانونية والسياسية والاجتماعية والدينية والطبية على تأكيد ذلك و”تطبيعه”. فلو وضعنا جانبا الفكرة اليوتوبية الرائعة والمفضلة والراسخة لدي، القائلة بأن الجندر هو بدعة ذكورية (راجع/ي العدد السابق من “بخصوص”، مقال: الجنس والجندر بدعة المجتمع الذكوري) وأن الجندر هو أمر وهمي من صنع الخيال الانساني والمستجدات الفكرية – الاجتماعية – الاقتصادية – الدينية – السياسية المتلاحقة عبر التاريخ، لو وضعناها جانبا، يمكننا التسليم بالحد الأدنى، بأن الجندر يحتمل بالتأكيد، أكثر من نوعين فقط، فهناك الجنس الوسيط (انترسكس) بمختلف حالاته وأشكاله، وهناك كويريو الجندر (gender queers) ورافضو الجندر (genderless) ومتحولو الجندر (transsexuals) وغيرهم/ن، فكل انسان هو/هي حالة جندرية قائمة في حد ذاته/ا لو أراد/ت وتجرأ، أو حالة لاجندرية.

لكن التركيبة الاجتماعية القائمة، تصنف البشر بين جندرين “طبيعيين ومقبولين” هما الرجل والمرأة، على أساس الشكل البيولوجي والأعضاء الجنسية. فلو كنا جميعا نمتلك جميع الأعضاء مجموعة سويا، الثديين، والبظر/المهبل، والقضيب والخصيتين، هل كان ليكون هناك تصنيف وتمييز جندري؟ هل كان ليقال عن الاختلافات الجندرية والأنواع المتعددة والمختلفة، “شذوذا”؟ هل كانت “الجراحة التصحيحية” لتتم في حالات “المعجزات الطبية” أو المواليد الذين/اللواتي لا تتطابق أعضاؤهم مع معايير المجتمع الجندرية؟ والسؤال الأهم: هل كان ليكون هناك ضرورة للتحول الجنسي، أي هل كان متحولو الجنس ليكونوا موجودين، في عالم خال من الجندر؟ الجواب هو لا، سوف لن يكون هناك “جندر مقبول”، أو “جندر شاذ” ، أو “تحول جندري”، في عالم خال من الجندر.

لكن العالم الذي نعيش فيه، بحت مجندر، ولكونه شديد التطرف في ما يتعلق بالهويات الجندرية والجنسية، لطالما حملت في داخلي الكثير من الاعجاب والتقدير لمتحولي الجندر/الجنس الذين/اللواتي كانوا روادا ورائدات في اطلاق الحركة المثلية في اطارها السياسي في أحداث “ستونوول”، والذين/أللواتي يكافحون كل يوم بأجسادهم/ن وعقولهم/ن وأصواتهم/ن ضد الأنظمة الذكورية المريضة. وقد كتبت هذه المقدمة الطويلة لأصل الى هنا، الى موضوع متحولي/متحولات الجنس الذين/اللواتي أرى فيهم/ن أحفاد وحفيدات “أطفال القمر”، الذين يحملون في كثير من الأوقات صلبان الحركة المثلية، وصلبان الثورة في وجه القيود الجندرية والحريات الجنسية، وأشكال الاضطهاد الدينية والاجتماعية والقانونية والطبية، وكل أفكار المجتمع التقليدية والموروثة منذ العصور الغابرة.

كتبت هذه المقدمة لأرد على من لا يؤمنون بالتحول الجندري/الجنسي، ويرون فيه بدعة و”تفنيصة” ومحاولة للبروز واثبات الذات والاختلاف، أو مرضا وشذوذا (بمعناه السلبي وليس الشذوذ الذي نفتخر به). كتبت لمن يعتبرون المتحولين والمتحولات أشخاصا ناقصين وناقصات، وساعين وساعيات وراء الاعتراف الاجتماعي، ومطبعين ومطبعات مع “ايديولوجيا التصنيف الجندري” التي يفرضها المجتمع علينا، والمستعدين والمستعدات لتحمل الآلام والمخاطر كي “يرضخوا” لمعايير المجتمع.

لهؤلاء أقول، المتحولون والمتحولات هم/ن الثائرون/ات على ربط الجندر بالشكل البيولوجي، وهم الذين/اللواتي يعلنون كل يوم بوجودهم، تدمير البنى الذكورية الجندرية – الجنسية، ويؤمدون أن التحول الجنسي والجندري لا علاقة له بالميول الجنسية، فقد تكون امرأة متحولة ومثلية في الوقت عينه. وهذه الثورة، لا تقل عن الثورة الرافضة للجندر بالمطلق، لأن من حق هؤلاء أن يعيشوا حياة يتصالحون فيها مع ذواتهم/ن في عالم يصر في كل مكان على تصنيف الكائنات الحية بين رجال ونساء وذكور واناث.

عن متحولي/ات الجنس، سأكتب المرة المقبلة أيضا. سيكون الجزء الثاني عن دورهم/ن في النضال السياسي – الثقافي – الفكري – الاجتماعي، وعن “الترانسفوبيا” (أي رهاب التحول الجنسي) التي يكنها المثليون/ات في كثير من الأحيان ضد المتحولين/ات، وعن بعض المسائل التي تثير الانتقاد في ممارسات و”ايديولوجيات” المتحولين/ات اذا صح التعبير.

في الوقت الحالي، استمتعوا/ن بقراءة هذا العدد من “بخصوص”، مع خالص تحياتي لكم/ن يا “أولاد القمر”.

samira
Aphrodite likes to drive fast. Real fast. Whether behind the wheel, behind her computer, or behind a plate of a double cheeseburger, fries, and a side order of pasta salad, Aphrodite is moving 100km a minute. A journalist by training and a poet by passion, Aphrodite does not believe in suntan lotion, aspirin, or dishonesty. But she does believe in Bekhsoos. Very much.

Leave a Reply