تابو” الدورة الشهرية المرعب”
1,235 viewsعندما خبرت دورتي الشهرية الأولى، شعرت بفخر أنني أصبحت “امرأة بالغة ومكتملة”، وفي الوقت نفسه، شعرت بخوف لم أعرف سببه. صرخت مستنجدة بأمي، فجاءت و”انعجقت” بمساعدتي، ثم انهمكت بتقديم الشروحات والدروس والوصايا المتعلقة بالدورة الشهرية: “ما تاكلي شي حامض”، “ما تشربي شي بارد”، “ما تتحممي”، “ما تبردي”. ازداد خوفي وشعرت أني ابتليت ب”بلوة” ستلازمني مدى الحياة بصورة شهرية.
لكن ما قالته أمي هو جزء بسيط جدا من أساطير كثيرة متعلقة بالدورة الشهرية، اخترعتها المجتمعات البشرية على امتداد التاريخ، اما نتيجة الجهل، والانسان عدو ما يجهل، واما نتيجة “التابوهات” والممنوعات الاجتماعية التي يصطنعها المجتمع ضد كل ما يتعلق بجسد المرأة، ومنها مثلا الرغبة الجنسية، والنشوة، وحبوب منع الحمل. كلها مواضيع ممنوعة، تابوهات مقفلة، “عيبة”.
فمثلا، خلال شهر رمضان المبارك، التقيت بصديقة لي، راحت تخبرني عن الوسائل والطرق “الجيمس بوندية” والاستخبارية والعسكرية (عَ شوي!)، التي تستخدمها والدتها لاخفاء حقيقة أنها في دورتها الشهرية عن ابنها الذي يبلغ من العمر عشر سنوات! فهي تقفل باب الشرفة على نفسها لتدخن سيجارة، خوفا من أن يراها ابنها ويدرك أنها غير صائمة، وبالتالي، هي في دورتها الشهرية! (إذ أن النساء المسلمات لا يصمن في أثناء دورتهن الشهرية).
لماذا كل هذا الرعب من الدورة الشهرية؟ لماذا لا نقول أمام صديق شاب مثلا، أننا في دورتنا الشهرية؟ لماذا نخجل منها، وهي أمر مقدس يحمل كل معاني الحياة، باعتبارها السبب الأول لامكانية الحمل والولادة لدى المرأة!
“تابو” الدورة الشهرية تضرب جذوره في عمق التاريخ. فعند حضارة المايا العريقة، ساد اعتقاد بأن دم الدورة الشهرية يتحول الى حشرات وأفاع يمكن استخدامها في السحر الأسود! وفي روما القديمة، كتب “بليني الكبير” في كتابه “تاريخ الطبيعة”، أن النحل يغادر قفرانه، والذرة يذبل ويموت اذا ما لمسته امرأة أثناء دورتها!
وقدماء الأستراليين، حذروا صبيانهم الصغار من النظر الى دم الحيض، خوفا من أن يتحول لون شعرهم الى الأبيض ويخسروا شبابهم! وفي أوروبا، منذ عقود خلت، كانوا يمنعون المرأة من المشاركة في مهرجانات صناعة النبيذ الشهيرة، اذا ما كانت في دورتها الشهرية، خوفا من أن يتحول النبيذ الى خل بطعم مرّ!
أما الديانات، فاستمرت في السياسة نفسها لاحقا. ففي الإسلام مثلا، المرأة لا تصلي ولا تصوم ولا تلمس القرآن الكريم في أثناء دورتها الشهرية، وتقوم “بالاغتسال” عند نهاية دورتها كي تعود اليها طهارتها، في اشارة الى أن الدورة الشهرية رمز للنجاسة والاتساخ.
وفي اليهودية، تعتبر المرأة في فترة “نداّه”، أي “غير طاهرة”، الى حين انتهاء دورتها وقيامها ب”الاغتسال” أيضا.
وفي المعتقدات المسيحية الأرثوذوكسية، لا تشارك المرأة في “المناولة” أثناء الحيض. وفي الهندوسية، تمنع من المشاركة في الصلوات والاحتفالات الدينية.
لكن هنا، لا بد من الاشادة بموقف البوذية والسيخية من الأمر، إذ اعتبرتا أن الدورة الشهرية أمرا عاديا وطبيعيا تمر به المرأة كل شهر، ولا يجب أبدا معاملتها على أنها “نجسة” أو “ملعونة”.
لكن السؤال هو: لماذا كل هذه “اللعنات” للدورة الشهرية؟
السبب الأول هو جهل الإنسان القديم بسبب وحقيقة الدورة الشهرية. فكل ما كان يرى منها هو الدم السائل، والدم في ذهنه يرتبط بالجراح والموت، ما جعله يخاف هذا “النزيف المجهول”. ثم بعد أن تطور عقل الإنسان أكثر، بدأ بالاعتقاد أن عملية خروج الدم من جسد المرأة، يمثل عملية “تطهير” لداخل هذا الجسد، ما جعله يستنتج أن المرأة كانت وسخة، ويتم الآن تطهيرها عبر دورتها الشهرية. وهذه الفلسفة ما زالت مستمرة حتى اليوم، ويمكن رصدها في الاعلانات التجارية والمنتجات المتعلقة بالدورة الشهرية ومنها: “عيشي حياتك!” (وكأنه من المفترض أن نموت في أثناء دورتنا الشهرية!) و”حسي بالنظافة طوال اليوم” (وكأنه يجب أن نشعر بالقرف من أجسادنا ودورتنا الشهرية!)
لماذا كل هذه الأساطير؟ ثم لماذا كل هذه “اللاءات” التي لا تستند الى أية أسس علمية منطقية عقلانية؟
كلا، أستطيع أن آكل ما أريد، وأن أشرب ما أريد، وأن أعمل، وأخرج، وأمارس الجنس، وأكلم ربي، وأسبح وأرتدي ما أشاء، وأخبر أبي وأخي وصديقي عن الأمر اذا ما سألوني، وأتكلم عنه في العلن، وأشتري “الأولويز”، لأنه ليس عيبا وليس أمرا مخجلا!
انها دورتي الشهرية، جزء من حياتي، جزء من جسدي الذي أحب، جزء من هذا الوجود، بل انها أساس الحياة والوجود! بحبها!
Leave a Reply