ليلة حب… و لا شيء غير ذلك
1,775 views
كانت ليلة بنجوم كثيرة، وظلام داكن. ليس في الهواء سوى الصمت الثقيل، وعطراهما يمتزجان معا كخفقات قلب واحد. في ذلك الكوخ الصيفي، على شاطئ رملي طويل، عاشقتان لم تقعا في الحب، بل الحب وقع فيهما كما لم يحدث من قبل.
***
الليلة، تتمان السنة السادسة مع بعضهما. وللمناسبة، حجزتا هذا الكوخ الحجري الصغير، وجاءتا بقنينة نبيذ معتق، كقصتهما معا. شربتا نخب حب لن يزول، وتحادثتا طويلا. مرت ساعتان وهما مستلقيتان على الرمال الذائبة تحت جسديهما، ووجهاهما متقابلان، بابتسامتين خفيفتين، وعيون دامعة، لكثرة ما فيهما من حب. ذلك الحب الذي أبقاهما معا سنينا، رغم كل العقبات والمآسي وقسوة الأيام.
- بتتذكري أول مرة شفتك فيها…كنتي جديدة بالصف ومستحية، قاعدة وحدك ورا.
- ايه…بذكر.
- هاي اللحظة، بذات اللحظة، عرفت اني الك، وانك الي.
تشد على يدها ويخفق قلبها كأنها المرة الأولى. في هاتين العينين، ترى كل الطفولة، والحب الأول، والقبلة الأولى. تتذكران معا كيف منذ التقتا، ما عادتا تفترقان. يومها كانتا معا في المدرسة، واليوم تنهيان سنتهما الجامعية الأخيرة، معا أيضا.
***
تقترب كثيرا منها حتى تشعر بأنفاسها الدافئة فوق بشرتها. تقرب شفتيها أكثر. كما المرة الأولى، يوم فقدتا السيطرة على نفسيهما وسرقتا قبلة على رصيف خال من المارة. بطعم القبلة الأولى، تقبلان بعضهما الآن، قبلة طويلة كأنها لا تنتهي. تغمضان عيونهما. تمر لحظات قليلة، يصبح جسداهما متلاصقان، كأنهما واحدا. انه ذلك الاحساس، ست سنين من الجنون في الحب، بل أكثر، لعلها ستون سنة. تشدان بعضهما بقوة، كعاشقتين خائفتين من الرحيل، لا تجرؤان على أن تفلتا بعضهما، فلا تلتقيان مجددا. هما واحدة، واحدة الآن، ولا شيء آخر يهم.
يثور البحر الى جانبهما، وضوء القمر يزداد اشعاعاً. كما يمر الموج فوق رمال الشاطئ، تمرر هي شفتاها على امتداد ذلك الجسد الطري. قبلات مجبولة بحب مؤلم. تتعانقان، تهمس في أذنها: “كبر البحر بحبك”، فتجيبها بصوت يمر في أذنها كنسمة صيف: “بعد السما بحبك”. انها أغنيتهما، في لحظة حب قصوى.
يغرق وجهها في ذلك العنق الرقيق المعطر بالورد. يغطي الورد وجهها، تترك فوق عنقها قبلات صغيرة، ثم تكمل الى ذراعها الناعمة. هي تعرف تفاصيل جسد حبيبتها. هنا، فوق يدها، ندبة من جرح قديم، يوم اكتشف والدها أمر علاقتها بفتاة فشقّ كف يدها بسكين حاد عقابا لها على “خطيئتها”. تقبل الندبة بحرقة. تمرر أصابعها بين خصلات شعرها الطويل، تحضن رأسها بشغف، تقبل جبينها، ثم خديها، فأنفها، فذقنها. تشعر بأنها تريد أن تقبل كل جسدها في قبلة واحدة، أن تأخذها الى داخلها، وأكثر.
***
تمر لحظات، والعاشقتان في مشهد حب عظيم. تشعران بأن كل شيء على ما يرام، بأن الله يشاهدهما ويبتسم، بأن الطبيعة تحتفل بهما. لا شيء يمكن أن يفسد هذه اللحظة، لا شيء يمكن أن يفرقهما. قد يتوقف الزمن، قد يتوقف قلباهما في هذه اللحظة، ولن يحدث ذلك فرقاً. فقد عاشتا الحب حتى الثمالة، حتى آخر الدرجات الممكنة.
بألم، تصلان معا الى حافة النشوة. ذلك الألم الممزوج بلذة الحب. قلبها فوق قلبها. معاً، تصلان الى النشوة الكبرى وترتجفان ممسكتين بيدي بعضهما. وبصوت متعب وضعيف، تقتربان من بعضهما وتهمسان: “بحبك”.
***
من وراء الأفق البعيد، تطلع الشمس باكرا تاركة احمرارا خفيفا في زرقة السماء. العاشقتان ما زالتا فوق الرمال الذهبية متلاصقتين. وقعتا في الحب وفي النوم معاً. غفتا متعانقتين طوال الليلة الماضية. تستفيقان على خيوط من أشعة الشمس الذهبية. تنظران في عيني بعضهما البعض.
- صرلنا ست سنين ويوم.
- وعمر… بيصرلنا عمر ومنبقى نغفى سوا، ونوعى سوا.
في لحظة قلبين صادقين، يدقان فقط من أجل بعضهما، يبتسم الله. يفرح، أن بين مخلوقاته من عرف كل هذا الحب، وأحب بكل هذه الطهارة والنقاء. على أقدام هاتين العاشقتين، تشقط كل الأعراف البالية، وتتمزق القوانين العتيقة والدساتير المتخلفة. في مشهد حب كهذا، لم تغضب الطبيعة، ولم تثر ولم تلعن “العلاقة الشاذة”. في مشهد حب كهذا، انحنت الطبيعة أمام هاتين العاشقتين اللتين بكل ما فيهما، كانتا تنبضان حباً ومزيدا من الحب.
ل.ل.
Leave a Reply