سلسلة “حبر الأيام”: في مديرية الأمن
481 viewsحذرتني صديقتي مما قد نواجهه في حال خروجنا ليلا، لا سيما ان أسرتي لازالت تبحث عني، لكني صممت أذني عن أي نداء تحذير وكأنني أحفر نهاية مشواري بيدي.
جاءت تلك الليلة واستسلمت ليدي مصفف الشعر وهو يضع لمساته على شعري، وتركت لسالومي اختيار زي لي، أحببت ان يكون بسيطا قدر الإمكان، ورفضت باصرار وضع أية مساحيق تجميل على وجهي.
في تمام الساعة العاشرة، انطلقنا باتجاه احد المطاعم الذي يمتاز بجوه الفني الذي يضم عددا كبيرا من الفنانين المعروفين.
كان المكان يعبق براحة السجائر والموسيقى الصاخبة تتردد عبر مكبرات الصوت بقوة، لتحول المكان الى شعلة صخب وضجيج. فرحت كثيرا بوجودي هذه الليلة، وبتّ أنقل نظراتي بين وجوه الناس لأراهم مسترسلين في لهوهم وصخبهم دون قيود. استمتعت بالأغنيات وبالعشاء اللذيذ وبالراقصة المثيرة على المسرح، إلى أن دقت الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل. وفيما أنقل نظري بين الموجودين، اذا بي أقع على ثلاثة رجال ضخام، يقفون في آخر الصالة ويتفحصون وجوه الساهرين بتمعن واهتمام، إلى أن انصبّت نظراتهم في اتجاه واحد، وأخذ أحدهم ينظر في وجهي ثم يعود ليتفحص ورقة يحملها في يده. اعترتني رجفة قوية وشعرت بقلبي يغوص بين قدمي، فأمسكت بيد سالومي خائفة، فطمأنتني. وما هي الا لحظات حتى حضر النادل إلى طاولتنا وتحدث مع زهير وعصام بالهمس، فنهضا وتوجها لمخاطبة الرجال الثلاثة، ثم عاد عصام وطلب مني بهدوء مرافقته للتحدث اليهم، مطمئنا اياي أنه لن يصيبني أي مكروه.
سرت معه والدموع تخنقني وتقدم مني أحد هؤلاء الثلاثة، فتبينت أن ما يحمله في يده هي في الواقع صورتي، طالبا مني التوجه معهم إلى مديرية الأمن على الفور. حاولت أنا وزهير وعصام وسالومي اقناعهم باستحالة عودتي إلى المنزل وبأني لا أريد ولا أرغب بذلك، لكن محاولاتنا باءت بالفشل، اذ أكدوا لنا أنهم في مهمة يومية للبحث عني بكوني قاصرا لم أبلغ السن القانونية بعد، وأن عليهم ايجادي خوفا من أي مكروه يصيبني.
رافقتهم وأنا أجهش بالبكاء، وما ان دخلت مديرية الأمن حتى قادني الرجل إلى ممر صغير فيه عدد من الغرف الصغيرة، وضعني في أحدها وأغلق بابا حديديا عليّ. غرقت في موجة بكاء لم ينتشلني منها سوى صوت امرأة من خلق أحد الأبواب يقول “لا تبكي هلق بتتعودي. كلهن بيبكوا بعدين بيتعودوا! صار الي بهالأوضة شهر وتعودت!”.
ازدادت نوبة بكائي حدة، قبل أن يقطعها قدوم رجل ليرافقني إلى غرفة الضابط المسؤول. تفصحني الضابط جيدا، ثم طلب مني الاقتراب، وسألني عن اسمي. أجبته بثقة وثبات من لم تقف يوما أمام شرطي “اسمي مكتوب عندك!”. شعرت بكف غليظة تهبط على وجهي مدوية فوق خدي.
“اسمعي يا ….” وكال لي الشتائم حتى اشمأزت نفسي وكدت أتقيأ، ثم طلب مني أن أعترف من “شغلني” ومن هم “زبائني” ومن “الساقطات” اللواتي أعرفهن و”المبلغ الذي كنت أتقاضاه”. قلت له أني لا أعرف أية “ساطقات” وأني لم أمارس الجنس مع أي رجل، لكنه استمر بسيل أسئلته كأنه لا يسمع ما أقول، ثم طلب من أحد رجاله تعليقي من رجليّ وانهال بعصا غليظة على قدميّ. استسلمت لتلك الاهانة النفسية والجسدية الفظيعة، وأنا أعض على أسناني من الألم، وشعرت بكره مضاعف تجاه أسرتي وما أتعرض لهم بسببهم.
ظللت طيلة ساعة مصرة على أقوالي، ومصرة على أني لا أعرف أيا من “فتيات الليل” وأن رجلا لم يمسسني من قبل. وددت لو أني أخبرته أني مثلية، لكن شيئا ما منعني وأسكتني. كان رده أنه سيعرضني على طبيب شرعي، وفي حال تبين أني فاقدة للعذرية، فسيودعني احدى الاصلاحيات على اعتبار أني قاصر.
صباحا، عرضت على الطبيب الشرعي الذي أكد عذريتي، وكتب تقريرا بذل قدمه للضابط المسؤول، ثم انطلقوا بي إلى المحكمة حيث قابلت والدتي وخالتي، وشعرت بسطور الألم والحزن مرسومة فوق وجهيهما. الا أن ذلك لم يمنعني من التعبير عن سخطي وألمي لما أصابني من تحقير وضرب.
حاولت والدتي تهدئتي وهمست ببضع كلمات تدل على الأسى والحزن لتركي المنزل، وقلقهم الكبير من مكروه يكون قد أصابني. مثلنا أمام القاضي، وبعد تأكده من “عذريتي”، خيرني بين العودة إلى منزل أسرتي، أو الهرب مجددا فيتم القائي في الإصلاحية. فتعهدت بالعودة والبقاء في منزل أسرتي.
خرجنا من مديرية الأمن، واصطحبتني والدتي وخالتي الى فندق صغير كانتا تقيمان فيه أثناء رحلة البحث عني، واستمعت في الطريق الى بعض عبارات التقريع واللوم من كلتاهما. وبعد وصولنا الفندق، رفضت تناول أي طعام، وفضلت التمدد واخذ قسط من الراحة لأستجمع أفكاري من جديد وأفكر بخطة جديدة أنال فيها حريتي.
امرأة حديدية
Leave a Reply