سلسلة “حبر الأيام”: الليلة الأولى في الفندق… معهن

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (3 votes, average: 5.00 out of 5)
Loading ... Loading ...

464 views


تستضيف “بخصوص” في هذا العدد الجزء السادس من سلسلة “حبر الأيام” التي تروي قصة حقيقية بقلم بطلتها شخصيا، على أن تتابع تشر الأجزاء اللاحقة تباعا في الأعداد القادمة.

تقوقعت فوق السرير الذي منحني إياه جورج، وتزاحمت في رأسي آلاف الأفكار التي أبت أن تتركني لمعانقة النوم.

كيف سيكون مصيري، وحدي؟

سذاجتي لم تتح لي أن أعي أني لن أرى فاتنتي مجدداً.. سذاجتي أكدت لي أنني سأجدها فور وصولي.

خلدت إلى النوم مع خيوط الصباح الأولى، لأستيقظ على صوت جورج معلناً أن الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً.

نهضت على عجل كمن لسعته أفعى، دخلت إلى الحمام، وخرجت منه بعد لحظات، لأشارك جورج مائدة الإفطار. طال حديثنا، وعرفت خلاله أنه لم ير غادتي الشقراء منذ أشهر، إلا أنه أعطاني عنواناً توقّع أن تتواجد فيه.. ثم أبلغني، بمنتهى الصراحة، أنه لن يتمكن من استقبالي في بيته لأكثر من يومين آخرين، لكنه أخبرني عن فندق صغير، تقطن فيه نساء أجنبيات يعملن في مجال الليل.

بعد الفطور، بدأت مشوار البحث عن حبيبتي، وعن نهاية سعيدة لطالما تمنيتها لقصة حبي. ومع غروب الشمس، انتهى المشوار بي عائدة بخفيّ حنين. فالعاصمة أكبر من بلدتي الصغيرة، وقد رمت بي من عنوان إلى آخر، ومن شارع إلى آخر، ومن “نعم، كانت تقطن هنا لكنها غادرت منذ أشهر”، إلى “نعم، أتذكرها، ولكنها لم تعد تسكن هنا”.

عدت إلى منزل جورج محطمة الآمال، وقصصت عليه أحداث نهاري، فقال لي والابتسامة لا تفارق شفتيه: “عادي! في متلها كتير بيشتغلوا بالليل، وبكرا بتتعرفي على كذا واحدة غيرها”.

اصطحبني جورج للسهر في أحد المرابع الليلية التي تنتشر في وسط العاصمة، واكتشفت هناك عالماً من الألوان الزاهية البراقة، وشممت أنواعاً من العطور تنقلك معها إلى باريس، ورأيت أجساد النساء العارية تتلاصق على إيقاع الموسيقى الصاخبة.

لاحظ جورج دهشتي، فقال لي: “كله عادي، صحاب مع صحاب”. فسألته: “هل هؤلاء النساء متزوجات؟”، فأجابني بأنه بعضهن متزوجات، وغالبيتهن عازبات. ودعاني لمشاركته كأساً رأيته في بعض الأفلام العربية، يحرّر الإنسان من كافة القيود، فرفضت بشدة وطلبت كوباً من العصير، احتسيه وأنا أحملق في وجوه الناس بانبهار شديد. رقصت مع جورج قليلاً، وشعرت بنوع جديد من الحرية في وسط عالم غريب، يتمتع بكل لحظة يعيشها.

غادرنا المربع عند الثانية بعد منتصف الليل، فخلدت للنوم وأنا استعد ليوم جديد سأقضيه في الفندق.

في الصباح، فطرت، واتجهت برفقة جورج إلى الفندق. صعدنا إلى الطابق الأول، لأجد نفسي في بهو صغير تتناثر فيه الكنبات والكراسي، تجلس إلى بعضها فتيات شبه عاريات مصبوغات الشعر، حسناوات، يتبادلن الأحاديث بلغة أجنبية.

استدعاني صوت جورج من نظراتي الاستكشافية، طالباً مني بطاقتي الشخصية، ليقدمها إلى رجل خمسيني يرتدي نظارة طبية، يقف خلف مكتب الإستقبال. أعطيته البطاقة، ومبلغاً مادياً يغطّي كلفة ثلاثة أيام سأقضيها في الفندق، تبقى قابلة للتجديد. ثم أبلغني الخمسيني بلائحة التنبيهات، وأبرزها: ممنوع استقبال الأصدقاء الذكور في الفندق، وممنوع احتساء المشروبات الروحية في الفندق، علماً أني عرفت لاحقاً أن الرشوة تتيح للجميع أن يحتسونها.

طمأنه جورج إلى أني غريبة هنا، وليس لدي أصدقاء أو صديقات، وودعني، ثم انصرف واعداً إياي بالوقوف إلى جانبي متى احتجت إليه، ولم ينس أن يهمس في أذني: “نيالك، رح تنبسطي كتير! مين قدك؟ راح تنسي اللي جيتي منشانها!”.

استلمت غرفتي الصغيرة، وشعرت بالسعادة لأنها المرة الأولى التي امتلك فيها مساحة خاصة، ولو وهمية، استيقظ فيها متى شئت، ولي هاتف بجوار سريري يتيح لي الاتصال بمكتب الاستقبال، إن احتجت شيئاً.

وضبت ملابسي البسيطة في خزانة صغيرة متواجدة إلى جانب باب الغرفة، وارتميت على السرير، مستسلمة لأفكاري.

بعد قليل، اتجهت إلى الصالة التي يتوسطها تلفاز كبير يعرض مسلسلاً لا تعيره الفتيات اهتماماً. فجلست، بحجة متابعته، بينما رحت أختلس النظر متفحصة وجوه الفتيات اللواتي إما يستمعن إلى الموسيقى من مسجّل فردي، أو يلعبن الورق، أو يأكلن، …

مضى الوقت سريعاً، وحلّ الليل، ليتحوّل معه الفندق إلى خلية نحل.. فالفتيات يتجهزن للمغادرة إلى وظائفهن، بملابس قليلة جداً، وبوجوه ترسم معالمها الألوان الصارخة، وبعطور كادت تذهب بعقلي.

عدت إلى غرفتي، وحاولت أن أستسلم للنوم، كوني بلا وجهة ولا صديق، ولا التلفزيون يعرض ما يسلّيني.. فتصفحت مجلات قادتني إلى سبات عميق، استيقظت منه على صوت قرعات على باب غرفتي.

فتحت الباب لأجد فتاة تفوح منها رائحة الخمر، تترنح يميناً ويساراً. أمسكت بها، وحاولت أن أشرح لها أنها في غرفتي، وطلبت منها، بانكليزيتي الركيكة، رقم غرفتها لأقودها إليها. لكن محاولاتي باءت بالفشل، إذ احتضنتني بقوة وسعت لدخول الغرفة، إلى حين وصول فتاة أخرى، لتنقذني من هذا الموقف.

تلك الفتاة المنقذة، أصبحت صديقة وأختاً لي، في ما بعد.

أما الفتاة التي اقتحمت وحدتي فقد أكّدت لي أني أحتاج إمرأة في حياتي… فأنا مثلية.



المرأة الحديدية

Guest Contributor

Leave a Reply