حقوق مثليّي/ات لبنان: أسقطوا النظام الطائفي
1,508 viewsمثليو ومثليات لبنان : أسقطوا النظام
رعت “صوت النسوة” في جريدة الاخبار في عددها الصادر في ٨ من آذار 2011، مجموعة مقالات، مستغلة يوم المرأة العالمي لإيصال اصوات متعددة لكاتبات عربيات في الوطن العربي والمهجر، الى القارئة اللبنانية خاصة والعربية عامة.
كتبت هبة عبّاني في هذا العدد مقالاً بعنوان : “مثليو ومثليات لبنان : أسقطوا النظام” والتي تتناول الحركة الاجتماعية السياسية للناشطين والناشطات المثليين/ات وعلاقتهم بالطبقة العاملة والفقيرة المثلية ومدى احتوائهم لها وتواصلهم معها”
نجح المقال في تسليط الضوء على نقاش كان معزولا في دوائر بعض الناشطين والناشطات وايصاله الى العلن، حيث استطاع وبشكل صريح ان يقول ان للحركة المثلية ما يؤرقها تماما كالمجتمع، فالطبقة العاملة وتهميشها في .”النضال المثلي” يأتي على حساب “هوية الاستهلاك” التي اصبحت جزءًا من الهوية المثلية في لبنان. فالثقافة السوق والاستهلاك تمارس قمعا وتسقط مفاهيم خاطئة في تشكيل الهوية المثلية وتصبح الهوية مرتبطة بالاستهلاك حصرا ومتغربة عن “الانسانية ، اي تصبح الهوية المثلية مشروطة بإسقاطات سائدة تمحي هوية الفرد وتمايزه/ها ” .
استطاعت هبة عبّاني ان تكمل ولو بمقال قصير نسبة لموضوعه، ما بدأت من قبل “بخصوص” بالإشارة اليه والتحذير منه من خلال عدة مقالات سبق نشرها.
قد تتهم هبة “بالعمالة” للطبقة العاملة والفقيرة وهذا اتهام سيشرفها وسيسعدها. المقال هذا نعيد نشره في بخصوص كونها تصب في الهموم اليومية للعديد من المثليين/ت في لبنان والعالم العربي، وبخاصةً مجتمعات الناشطين والناشطات اللواتي يناضلن لا فقط ضد التمييز الجنسي، بل التمييز بكل انواعه واوّله ذلك الممارس من قبل السوق.
يفترض كثيرون اليوم، أنّ لبنان أصبح قبلة لمثليّي ومثليّات الجنس في الشرق الأوسط، وأنّ مسيرة النضال من أجل التحرّر قد بلغت مراحل متقدّمة، خاصة مع ازدياد عدد الحانات والفنادق والمناسبات التي تصنَّف «صديقة» للمثليين والمثليات.
انطلاقاً من هذا الطرح الذي أصبح سائداً في أوساط عدّة، اختارت المؤسسة الدولية السياحية للمثليين والمثليات، في تشرين الثاني الماضي، بيروت إحدى أفضل العواصم السياحية للمثليّين والمثليات، وذلك لعقد اجتماعها السنوي، الهادف إلى التسويق للسياحة الخاصة بتلك الفئة. وقد روّجت للبنان على أنّه جنّة المثليين/ات، موضحةَ أنّ «وضع المثليين/ات في لبنان قد تحسّن كثيراً، حيث افتُتح العديد من الحانات، النوادي الليلية، المطاعم، وقاعات السونا التي تعمل بحرّية، وأنّ هناك مؤسسات تعمل على تلبية حاجات هذه الفئة».
(/)
من جهة ثانية، استقطبت سهرات المثليين/ات عدداً من الصحف العالمية، أبرزها «نيويورك تايمز» التي قالت إنّ «بيروت تمثّل شرق أوسط مختلفاً للمثليين/ات، والمكان الوحيد في المنطقة حيث يستطيع هؤلاء ممارسة حياة اجتماعية علنية» (http://travel.nytimes.com/2009/08/02/travel/02gaybeirut.html)
لكن إذا نظرنا إلى وضع المثليين/ات، في ظلّ هذا المجتمع الرأسمالي والذكوري، نرى أنّ التمييز، وحالات الاعتقال والتحرش الأمني، لا تزال تطال شرائح واسعة منهم/ن وخاصة أولئك الذين/ اللواتي ينتمون/ ينتمين الى الطبقات العاملة والفقيرة. فالمادة 534 من قانون العقوبات، لا تزال تعدّ المثلية جرماً يحكم عليه بالسجن. وقد بيّنت الدراسة التي أعدّها المحامي نزار صاغية (http://helem.net/node/53) أنّ معظم الملاحقات تطال فقراء المثليّين.
هذا التناقض بين الصورة التي يروَّج لها والواقع، يعبّر عن ثغرة واضحة، تتمثل في طرح يفترض أنّ الميول الجنسية هي العامل الوحيد الذي يجمع بين هؤلاء، ويتغاضى، في الوقت نفسه، عن أنّ الفروقات الطبقية هي عامل أساسي. في الواقع، هناك فرق كبير بين مصالح مثليي/ات الطبقة العاملة والفقراء، وبين أولئك الذين وجدوا موقعاً جيداً في هذا النظام.
الليرة الزهريّة وثقافة الاستهلاك
لا يزال هذا النقاش خجولاً جداً في أوساط الناشطين/ات في الحركة المثلية، ولم نرَ حتى اليوم أيّ انتقاد جدّي من الجمعيات والحركات التي تعمل على تحرر المثليين/ات، في هذا الصدد.
في الواقع، المشهد المثلي الذي نراه اليوم، هو عبارة عن صورة نمطية لما يجب للمثلي/ة أن يكون/ تكون. فالميول الجنسية وحدها لا تكفي اليوم لكي تكون/ي مثلي/ة، إذ أصبح هذا المصطلح يعبّر عن نمط حياة يرتبط بنوع الملابس، والاكسسوارات، وأماكن السهر، ونوعية الموسيقى، والمجلات، وحتى نوع المشروب. بل وأصبح هذا النمط مؤشراً للتحرر. وبالتالي، فإنّ السوق هنا هو من يحدد الشكل ونمط الحياة الذي يجب أن يلتزم به المثليون/ات، وهو من يحدد بالنتيجة من هو/ هي المثلي/ة. وفي السياق نفسه، فإنّ الفروقات الطبقية في المجتمع، تنعكس بدورها على المثليين/ات. فهناك أولئك الذين يجدون مصلحة لهم/نّ في الإبقاء على هذه الثقافة الاستهلاكية واختصار مسألة التحرّر تبعاً لهذه المؤشرات، فيدعم كثير من الناشطين/ات مثلاً، أصحاب الملاهي الليلية والحانات والمطاعم المسمّاة «صديقة» للمثليين، بحجة أنّها توفر مكاناً آمناً لهم/نّ، كما أنّها تتيح مجالاً من الحرية، بالإضافة إلى أنّها توفّر فرص عمل مريحة لهم/نّ.
في الواقع، إنّ التسعيرات المعتمدة لدى تلك الأماكن تفوق غيرها من أماكن السهر، كأنّها تريد أن تقبض ثمن القمع الموجود من خلال القانون والتمييز. فضلاً عن أنّ حيّز الحرية الذي يتحدثون عنه لا ينطبق على جميع المثليين/ات، بل يختلف بحسب طبقتهم الاجتماعية/ الاقتصادية أيضاً، فيتعرض الكثيرون للتحرشات، وأحياناً للضرب على أيدي رجال الأمن الخاص في تلك الأماكن. أما العلاقة بين أرباب العمل والموظفين/ات، فتتّسم بالمعايير نفسها الموجودة في أيّ مكان عمل آخر في ظل هذا النظام في ما يتعلق بساعات العمل الطويلة، والأجور المتدنية، وضوابط المظهر والتصرف، بما يتناسب مع المجتمع.
القبول بالنظام أم محاربته؟
نتيجة لذلك، فإنّ النضال من أجل تحرر المثليين/ات يصبح معركة تسعى الى تقبّل النظام لا محاربته، ويصبح استسلاماً للسوق بدلاً من مقاومته. لقد أصبح أمراً مقبولاً أنّ المثليين/ات هم مجموعة من المستهلكين/ات، وأنّ هذا الاستهلاك هو ضمانهم الوحيد ليصبح/وا مقبولين/ات في المجتمع.
لكن من جهة أخرى، فإنّ العوامل الطبقية والجندرية هي بالتحديد ما يعطي الامتيازات لفئة معيّنة بأن تكون ظاهرة ومعبّرة بوضوح عن ميولها الجنسية، وبالتالي أن تكون مسيطرة في المشهد المثلي على الأجندة السياسية.
المطلوب اليوم حركة تنبثق من مصالح مثليي/ات الطبقة العاملة وتمثّلهم/هن. حركة تحمل شعارات تغييرية جذرية، تثور على هذا النظام، الاقتصادي خصوصاً، الذي يهمّش أغلبها ويضعها في مواجهة أنواع مختلفة من التمييز. حركة رافضة لثقافة الاستهلاك التي تقوم على مبدأ الاستغلال، حركة تضمن تغييراً حقيقياً في المجتمع كله. فلنبدأ بإسقاط النظام الطائفي!
* رئيسة الهيئة الإداريّة في جمعيّة «حلم»
Leave a Reply