مجنون عنترة
272 viewsدمّر كوني وكياني كما دُمرّت هيروشيما، فدمارنا كان في أغسطس، وحطامي لا يزال يتجمع حتى الآن
أبحث عن شقة للسكن في شوارع تل أبيب منذ أشهر. لا تهمّني المساحة، أو مقدار ما أكلته الرطوبة عبر سنيّ الاحتلال وما قبل وعد بلفور، بل أريد شارعاً يوافق ذاتي نفسها التي تخليت عنها بحبه؛ أعشق قدرته على التسلط،، أعشق دوري الضعيف في حياته، وأدافع عن حقوق المرأة بكلّ جوارحي.
فمحور حياتي التضاربات: أبني وأؤسّس شخصيتي بجمع أكبر كمية منها، أحبّ إخفاء ما أريد وإظهار ما لا أريد، ولا أرى في الأمر عيباً مع أنني أكره التملّق.
نسوي، ولا أجد النساء جنساً جذاباً، أصارع الشوفينية وأحاربها بكل أسلحتي مع أنّ الرجال هم سبب حياتي وسعادتي؛ أنا امرأة وأعترف بحقوقي كلها، وأفعل المستحيل لأمتلكها رغم أنف باقي النساء. كلنا نساء، والرجال منّا أقل نسوية لا أكثر، الفرق بيني وبينك يا أختي، أعتقد أنّ الثورة بحاجة للنساء وهُنّ لسنَ بحاجة لثورة.
فلسطيني ولا يربطني بفلسطين سوى الأصل وقصص جدي رحمه الله عن المجازر والشعب الذي كان. أعيش وأتكلم لغة المحتل ما يقارب نصف يومي، والبطاقة الزرقاء التي لا تعني لي شيئاً تحوي اسمي وصورتي التي أمقتها؛ أعلام المحتل تملأ كل مكان أذهب إليه، ومع كل هذا فلسطين هي كياني. لا يهمني إذا كان الوطن هو الناس أو الأرض، فلسطين الذكرى والهدف.
أنا مثليّ، ولست شاذاً! نعم، أكره تعريفي بالشاذّ، فأنا أحارب كلّ من ينعتني بالغريب، مع أنّني أعيش غربة عاطفية واجتماعية من يوم نفضتني أمي من رحمها. أنا شاذّ عن كل القيم والمبادئ التي غرسها أبي في رأسي منذ الصغر، هو الذي كان يحارب الأبد بقوله إن الأبد زمن طويل، وأنا الذي أحارب نفسي لأقتلع المبادئ مقتنعاً بأنّ الأبد ليس زمناً أصلا؛ أنا شاذ وحقّ التعريف يعود لي فقط.
أحبه ولي في الحب تجارب عدة محاها هو عند وطأته الأولى في قلبي، فدائماً كنت أنا في الصدد، والأولوية كانت لي فقط. أنا وثم أنا وبعدها قلبي وذلته، أفكاري وخطوطي الحمراء أصبحت حمقاء في حبنا؛ لا ادري إذا كان خوفي من الوحدة أو عدم وجود من يستحق جسدي غيره جعلني أخلع كل ما حاربت جاهداً لإثباته، فاعتنقته ليصبح ديني ودُنيتي، وحوّلتُ كل شيء عداه إلى هامشيّ. أعشق اللحظات الحميمة وهو في داخلي يغتصب روحي بدلَ تحقيق رغبتي في أن يغتصب جسدي. هذه الدقائق المعدودة هي جرعتي الوحيدة من الحميمية معه، ولا يعنيني ما يملأ وقتي عندما لا أكون في سريره.
دمّر كوني وكياني كما دُمرّت هيروشيما، فدمارنا كان في أغسطس، وحطامي لا يزال يتجمع حتى الآن. تولهت به حتى اختفت شمائلي . طوراً أكون ملكة وتارة تحت سيطرته، فانتحى عني يومي وغدي، صارت مبادئي مثلي، معدومة البقاء، وتأمل خلوده في حياتي. شاذ أنا حين أكون معه، وأترك كلّ نسويتي. صرت أتعرى من أصدقائي عندما تحوّل إلى وطنيّ؛ وما لي وكلّ هذا العذاب؟
أبي علّمني أنّ الأبد هو الكثير من الوقت، والحياة علمتني أنّ الأبد ليس بوقت، وهو امتحنني ليتأكد من أنني أعرف أنّ الأبد ليس له وجود أصلاً..
والعذاب سينتهي.
- بقلم فادي
نقلا ن قديتا.نت بموجب اتفاق تبادل نشر مع “بخصوص”
Leave a Reply