عن خطورة “تسييح” القضية
1,143 viewsهيدا الأسبوع بيوصلوا جماعة IGLTA* للبنان. وقبل ما نحكي عن أسباب امتعاضنا من الحدث خلّينا نقول، ومن كل كل كل قلبنا، ١٠٠ أهلا وسهلا بكل واحد من IGLTA. طول عمرنا منستقبل ناس من مجموعاتنا، ولّا مش من مجموعاتنا لمّا يجوا عالبلد، ومنرحّب فيُن كضيوف وأهل البيت بالتبنّي. والله والله ما عنّا مشكلة معن ولا مع رغبتن إنن يعملوا سياحة وينبسطوا ويحبّوا وينحبّوا ويعيشوا ويصرفوا المصاري اللّي مطلعينن من عرق جبينهن. الجانب اللّي معترضين عليه من زيارة جماعة IGLTA هوّي غيض من فيض. وعتبنا لا عفكرة السياحة ولا عفكرة البسط. اعتراضنا هوّي عقلّة الإعتبار للواقع اللّي نحنا عايشينه نحنا بلبنان. غضبنا هوّي إنّو الشعب المثلي اللّي جايينا عشوي بالخطوط الجوية القوس قزحية مش فاهم شي من الواقع اللبناني ولا من الواقع العربي اللّي نحنا عايشينه.
كان بودّي إتعامل مع الوضع بـ”هدوء” و”منطق” بس اللّي أنا عايشته لا هادئ ولا منطقي، والوضع اللّي عاشته مجوعاتنا أقل ما يقال فيه إنّه “مش منطق”. أنا وعم بكتب هالمقال في عالقليلة مرا ترانس وحدة ضايعة بدهاليز السجن غير الشرعي التابع لجماعة الأمن العام اللبناني، وما في شي، ولا حدا قادرين يساعدوها. بالـ١٠ أشهر اللّي قطعوا، فات عالحبس ما لا يقل عن ٤ أشخاص تحت طائلة ٥٣٤ أو تحت طائلة استهجان فارغي الأذهان اللّي بإيدن سلطة الحياة أو الموت عليي.
هيدا تما نفوت بقصة التحرشات بالشارع، الإهانات، حالات العنف الأسري، الطرد الوظيفي، الخ. هيدا بلا ما نحكي عن هاجس الحرب والفقر والبهدلة. وإلكن عَين تحكوا عن كيف إنّو لبنان جنّة المثلية عالأرض؟
أوكي بما إنّو عبّرت عن غضبي، خلّونا نقعد سوا نحكي عرواق عن خطورة هالبروباغاندا عالمجموعات الخارقة للقوالب الإجتماعية المغايرة. وأنا بتمنّى من كل مدافع عن روعة مؤتمر IGLTA يجاوب المخاوف التالية اللّي براسي.
>> IGLTA إسرائيل؟
بفهم، والله بفهم إنّو العالم ما بيشوف فلسطين متل ما نحنا منشوفا، وحقكن علينا. بس إذا الدهاء السياحي وعّاكن كفاية على وجود مثليي لبنان، ليش ما لفتلكن نظركن على شناعة النظام الإسرائيلي. كيف ممكن الواحد يستمتع بجمال المثلية الإسرائيلية لمّا بيفكّر بالجرائم، يا خيتي، إذا بدّك تفكّر بالظلم فكّر بنهضة الهوموفوبيا بفلسطين تحت تأثير الظلم؟
>> المثلية، سفارة فخرية ومنزوعة السلاح للولايات المتحدة الأميركية وعضو فاعل للموساد الصهيوني؟
المجتمع العربي المعاصر بيمتعض من وجودنا لدرجة إنّو امتهن فن إنكار هويّتنا وتاريخنا الضارب بعمق التاريخ المحلّي. رهاب المثلية متفشّي بمجتمعنا لدرجة إنّو بلا ما نفتح تمّنا بيتّهمونا إنّو نحنا مجموعة صهاينة هادفة لتقويض أسس المجتمع العربي ومبادئه.
نحنا ما منساوم على حقنا بالوجود العضوي والمعنوي. هالتاريخ وهالأرض بتعزّ علينا أكتر ما بتعز على أي عربي/ة تاني/ة، نحنا اللّي عيلنا ومجتمعنا رافضنا، باقيين هون، مين غيرنا عنده هالدرجة من التعلّق بالهوية؟ بس من ناحية تانية، وبهيك إطار، ما في شي بيغذّي ولع اللّي بايعين القيم العربية أكتر من إنّو يجينا مجموعة مثليين بيض، عمّدوا بيروت عاصمة للسياحة (الجنسية؟) المثلية من بعد ما قبل بسنة كانوا بفلسطين المحتلة عم يحتفلوا بمنارة المثلية وحقوق الإنسان بالشرق الأوسط: إسرائيل.
بعدن ضحايا حرب تمّوز ما فنيوا. وبعدا إسرائيل حاطّة الموس تحت رقبتنا ومستعدّة تدبّح فينا متل البرغش، بغض النظر عن ميولنا وهويتنا الجنسية، هيدي هيي منارة المثلية؟ ومن بعد إسرائيل جايين علبنان تتطلّعونا كمنارة مثلية؟ لأ، شكراً بستغني عن هالشهادة.
>> عولمة الصورة وتبرير التطرّف المحلّي
للأسف معظم تاريخنا المثلي القديم فُقد تدريجياً تحت ضغط تغيّرات مجتمعية، منها تأثير الإستعمار، فمعظم أفكارنا عن الكرامة المثلية والحقوق الإنسانية منقتبسها من الثورة المثلية الغربية. لمّا منفوت على الحلقات المثلية منبلّش نتماهى مع القوالب الغربية، منصير نفتّش على ال”غاي” اللّي فينا وال”ليزبيان” اللّي فينا.
ومش غلط إنّو نتواصل ونتعلّم ونستوحي من بعض، خصوصي إنّو المثلية الغربية عندا تاريخ مهم من النضال. بس ما فينا ندوِّب هويّتنا لمصلحة هوّيتهن. ما معقولة نكون نحنا منفتخر ومننبسط لمّا بيجونا جماعة ال IGLTA يصنّفوا ويقيّموا السياحة المثلية بلبنان؟ مين بيكونوا هنّي تا يقيّموا نوعية حياتي؟
ومش بس هيك، يا شعب الله المثلي، إنتو عارفين إنّو الوضع اللبناني مش رايق والناس بدّا كبش محرقة، هلّق لمّا يوصلوا جماعة IGLTA وبعدا ريحة إسرائيل بتيابهن، كيف ناويين تبرهنوا إنّو المثلية مش منتج إسرائيلي؟
>> إزدواجية مواقف التحرّك المثلي الأبيض
وكيف أنا بدّي إقبل شهادة مجموعة مبسوطة بالحقوق المكتسبة ببلادن، لمّا بعرف إنّو الحقوق مش مكتسبة إلّا بدوائر محدودة من الناشطين والطبقة المخملية من المثليين؟ وهون كمان مش قصدي إنّوا لناس لازم تنبسط وتروح وتجي. بس اللّي مش فاهم بلده ما بيشرّفني بشهادته عن بلدي.
>> لمين حتروح مصاري هالسياحة الجنسية المثلية؟
تحت تأثير السياسة، إله لبنان عم يتحرّك بإتجاه عبودية السياحة، بس مش هيدا موضوع الحديث هون، السؤال بهالمقال هوّي هل رح يتم صرف مصاري سواح IGLTA على الملاهي الليلية اللّي بتاخد مصرياتنا وبتبزق بوجنا؟ هل رح تنصرف على المافيات اللّي بتستغل القمع اللّي منخضعلوا تيتاجروا بأجساد عمّال الجنس من المثليين ومتحوّلات الجنس ويعطوهن فضلات المصاري؟ الأرجح إنّو الجواب هوّي إيه، ومن هون تصنيف السياحة الجنسية. فكيف بدّي هَنّي المشاركين بمأسسة رهاب المثلية؟
>> شو مصير اللّي رح يتعاملوا مع IGLTA واللّي ما إلن ضهر؟
كلنا منعرف إنّو الدول العربية أتقنت فن الإزدواجية وتصنيف العالم وفقاً لموازين القوى. الزلمة والمرا بيمارسوا الجنس، الزلمة بيصير رجّال المرا ممكن تروح عالحبس، أجنبي وعربي عم يتباوسوا ببلد عربي، الأجنبي بيطلعلوا جأرة، اللّبناني بيفوت عالحبس. والأضرب من هيك، المجموعات المثلية بتعرف كتير منيح إنّو بأماكن التلاقي المثلي في مخابرات ومخبرين عقد ما في شعر براسي، لمّا IGLTA بتعمل إعلانات عن وفد مثلي جايي يعمل سياحة مثلية بلبنان، كيف ناويين يتعاملوا مع المخابرات؟ مش من ناحية السواح الأكابر ولكن من ناحية أعضاء الجماعة اللّي رح يتعاملوا مع IGLTA ويلّي ما عندن واسطة مع الدرك؟ وهلّ جماعة IGLTA ناويين يبقوا ويتعاملوا مع الخبصة اللّي ممكن نعلق فيها إذا قرّرت الطوائف اللّي خاطفة الدين والدولة إنّو يرجعوا يردّونا كبش محرقة لتدعيم الوحدة الوطنية العنصرية؟
>> أمثلة شبيهة
بالنهاية كتير من أعضاء المجموعات المثلية والمتحوّلة انبسطت بخبر هالزيارة ومن دون ما نفوت بتحليل الأسباب الكامنة وراء هالبسط، بدّي قول إنّو مظبوط، مش غلط. مش غلط إنّو نفتّش على إعتراف بوجودنا ومش غلط إنّو ننبسط لمّا حدا بيذكر إسم بيروت أو لبنان بشي غير الحرب والدمار، مش غلط ننبسط إنّو الناس مبسوطة ببلدنا. بس الغلط إنّو ما نفكّر باللّي عم بيصير، إنّو ما نربط الواقع بالجو العام وبالقطب المخفية.
بالنهاية، غير الجانب الأخلاقي اللّي بتستفزّه هيدي الزيارة، في جانب عملي. المجتمع المثلي إله ١٠ سنين عم يختبر ويجرّب بسبل التواصل مع المجتمع العام اللّي هوّي جزء منّو. إلنا عقد كامل عم نجرّب نشتغل تنغيّر نظرتنا لذاتنا كفئة مهمّشة وكمكسر عصا للذكورية العربية. مش دايماً نجحنا والطريق بعدها طويلة ومش هينة أبداً. بس للأسف ما في طريق مختصرة. مش إذا جبنا مجموعة أجانب مثليين رح نعوّض فيهن الحس المجتمعي اللّي رافض مجتمعنا يردّلنا ياه. بالعكس، الطرق المختصرة خطرة.
بمصر الدولة مانعة التحرّك التوعوي، بس غاضّة النظر عن السواح المثليين المستشرقين، يلّي كانوا مصدومين كيف إنّو بلد محافظ متل مصر بتزدهر السياحة المثلية. وكترت السياحة المثلية، وكتر الإسقاط الغربي لمفهوم الحرية الجنسية المثلية، وكبرت الهوّة بالمجتمع بين المجتمع المثلي والمجتمع المغاير.
كان في بارات وأماكن تجمّع بيقصدها المثليين وكل شي. بسنة الـ٢٠٠١ بلّشت الدولة عملية تطهير ديني لإستمالة الرأي العام اللّي عم تتزايد فيه المشاعر المحافظة، ويا لسخرية القدر إنّو بهالفترة كان عم تتزايد النقمة على النظام المصري وعم تتفاعل تحت تأثير تطوّر التدوين الملتزم.
التطهير الديني أخد شكل توقيفات وتنكيل على يد عناصر الشرطة ضد المثليين المصريين. من سنة ٢٠٠١ لسنة الـ ٢٠٠٤، استحصلت الهيومن رايتس واتش على أسماء ١٧٩ شخص تمّت محاكمتن تحت طائلة قانون الـ”فجور” يلّي بتستخدمه الدولة للمصرية ضد الرجال المثليين.
وبيبقى أفظع الشهود للتطهير الديني هوّي حادثة ملهى ال”كوين بوت”، يلّي تم إعتقال ٥٥ زلمة فيه، تعذّبوا وتحاكم منّن ٥٢ بتهمة ممارسة الفجور. فينا نكتب مقالات طويلة عن التعذيب وخروقات حقوق الإنسان اللّي صارت. بس رح نكتفي بإنّو نوضّح إنّو بوقتا كتبت الجمعيات المثلية العالمية مقالات ورسائل طويلة عن ضرورة إطلاق سراح “مثليي” ال”كوين بوت”، بالوقت اللّي كانت الجمعيات الحقوقية المحلية عم تحاول تمنع إنتشار الخبر على إنّو إعتقال لـمثليين مصريين، بل إعتقال لمصريين، تفادياً لتصنيف القضية تحت خانة الشذوذ الجنسي وبالتالي بيخسروا أي تعاطف شعبي.
بطبيعة الحال استمر تصوير القضية على إنّها مثلية. يمكن لأنّو لمّا الخبر يطلع صعبة إعادة إحتوائه، أو يمكن لأنّو الإسقاط الغربي رفض التخفّي المثلي، تعدّدت الأسباب والموت واحد. ما استرجت (أو حبّت) أي جمعية حقوقية مصرية تتبنّى قضية المصريين المعتقلين، باستثناء حسام بهجت يلّي كتب مقال عن الموضوع… انطرد باليوم التالي من وظيفته.
العبرة من هالمثال مش إنّو ما حدا بيطيقنا ورح ناكل خرا عاجلاً أم آجلاً. بالعكس، الأمل موجود، وكل قضية ظلم بتبيّن مستحيلة المعالجة لحد ما تتم معالجتها (والكلام هون مقتبس من نيلسون مانديلا). العبرة إنّو السياحة المثلية الغربية ما رح تساعدنا. أوّل شي رح يبنسطوا باجتياح أجسادنا الإرهابية، بعدين رح يفلّوا ع بلادن وأمان دوائرهن المثلية، وإذا صارلنا شي من ورا سياحتهن الجنسية ماكسيموم بيطلعوا ببيانات إستنكار وشجب، عطريقة الزعماء العرب.
فإذا بدكن تنبسطوا انبسطوا، بس يكون بعلمكن إنّو حلو تتعرفوا ع ناس متلنا، بس أهل بلدنا ومجتمعنا كمان متلنا. يمكن الجهل والتعصّب الإجتماعي مستشري، بس مش السواح المثليين اللّي رح يغيّروا هالشي. اللّي رح يغيّر هيدا الشي هوّي العناد على أحقيتنا بهالمجتمع. الحل هوّي إنصهار واندماج مع مجتمعنا، التفاعل مع القضايا الحقوقية المحلية من دون شرط المماثلة، الحل بإنّو نكتب من دون ما نبرر، نحكي من دون ما نعتذر، نحب الناس اللّي منحبّن وما نتعلّق بالإستفزاز الإجتماعي كبديل مر عن التواصل، الحل إنّو ما ننسى نحنا مين بهدف محاولة نسيان الظلم اللّي عشناه.
- بعض القراءات المضحكة المبكية اللّي ضحّكتني وبكّتني أنا وعم بكتب هالمقال:
Human Rights Watch: In a Time of Torture
On a Certain Queer Discomfort with Orientalism
*IGLTA: International Gay and Lesbian Travel Association
Leave a Reply