كاستر سيمينيا”… أو نكتة الجندر”
1,027 views
“بعض الأحداث الي سبقت وتلت مباشرة بطولة العالم في برلين قد انتهكت حقوقي، ليس فقط كرياضية، ولكن أيضاً حقوقي الأساسية منها والإنسانية، بما في ذلك حقّي بالكرامة والخصوصية.” كاستر سيمينيا
من حوالي السنة، ربحت كاستر سيمينيا سباق الـ٨٠٠ متر بالألعاب الأولمبية. سيمينيا عداءة جنوب أفريقية اخترقت الساحة العالمية من كذا باب عريض، إن برضاها ولّا غصباً عنّا، حسب الباب اللّي عم نحكي عنّو.
كاستر خلقت سنة ١٩٩١، بجنوب أفريقيا، من عيلة سودا مؤمنة وفقيرة، وربيت بضيعة بقلب شمال البلد، سادس ولد بعيلة ٧ بنات وصبي. بحسب إمّها، كانت كاستر “بنت مهذّبة، لطيفة، شغّيلة، صبورة، وطموحها كان إنّو تلعب بالمنتخب الوطني لكرة القدم”. (مرجع)
أكيد الحياة ما هوّنت مسيرة سيمينيا، من عمر زغير فهمت إنّو النجاح مش سهل، وما في كتير طرقات بتوصّلها. سيمينيا اختارت الرياضة، التزمت بالتدريبات وحقّقت أرقام خيالية. بالشهور اللّي سبقت الفوز بالألعاب الأولمبية، كان أداءها عم يتحسّن بشكل ملحوظ.
كاستر كانت عم تحصد أتعابها، عيلتها رافعة راسا فيا وضيعتها مكيّفة.
الإتحاد الدولي لألعاب القوى ما عجبه الموضوع وفرض على سيمينيا الخضوع لفحص تأكيد الجندر، يعني فحص تيشوفوا إذا البنت بنت ولا صبي. من الأوّل أكد الإتحاد إنّو المشكلة مش إذا سيمينيا عم بتغش ولّا لأ، هنّي بس خايفين يكون عندا حالة طبية نادرة بتعطيا أفضلية غير عادلة ضد باقي المنافسات، لأنّو أكيد الذكورة أفضلية!
بأقل من شهر، الدنية كلّا عرفت عن الفحص، وبأقل من شهر الدنية كلّا سخّفت، حقّرت وتمسخرت على كاستر سيمينيا. الإعلام أخد قضية سيمينيا على إنّها نكتة. من الناس يلّي بلّشت تناقش بكل حرّية نظرتها لدرجة أنوثة (أو بالأحرى ذكورة) سيمينيا، عن حجم عضلاتها، عن تكوين كتافها، عن الشي اللّي بيشبه الشوارب، عن الشعر تحت باطا مرجع)، وحتّى عن شكل الشورت بين إجريا (في كتير ناس قالت إنّو سيمينيا عندا عضو ذكري). وصلت وقاحة البعض إنّن ينكتوا على إسم سيمينيا (“سائل منوي” بالإنكليزي: semen).
بهالفترة كانت الأوساط المتحوّلة والنسوية الغير بيضا عم بتراقب بحسرة بنت الـ١٨ عم تخضع وتنكسر بوجّ تهكّم مجتمع الشهرة القاسي بحشريته اللّي ما بيعرف حدوده. لمّا الناس بتنتهك خصوصية ناس متل ليندزي لوهان، أو لايدي غاغا، ما بمتعض، مش لأنّو بوافق عالحشرية المفرطة اللّي بيخضعولا، بس لمّا الناس بتبني حياتها وثروتها على الشهرة الإستعراضية، بعدين الشهرة الإستعراضيةرح تعضّن بطيزن. بس سيمينيا ما سعيت للشهرة الإستعراضية، هيّي عدّاءة من الطراز الأوّل.
بنفس الوقت بِقدر قول إنّو نحنا، ذوي/ات الهوية الجنسية والجندرية الغير تقليدية منعرف اللّي عم تقطع فيه سيمينيا. بالنهاية كل نزلة عالطريق، كل نزلة عدكّان، كل قعدة مع رفقا أو عيلة، هيّي معركة، وممكن بأي لحظة تتحوّل لدفاع مرّ عن الذات، عن الهوية، عن الكرامة. ما منعرف أمتين منضطر نقعد ونسمع الناس عم بتشرّح درجة أنوثتنا، أسباب بشاعتنا، أوقات منضطر نسمع أحاديث عن “هرموناتنا” والظروف المأساوية اللّي وصّلتنا لنصير “هيك”، وبتتحوّل لحظات قوّة وفخر من تاريخنا الشخصي لسبب مؤسف ومخزي لـ”عدم طبيعيّتنا”، متل وقتا بتبرّر إمّنا منظرنا بإنّو “حرام، اضطرّت تحمل مسؤولية عزغر”، كأنّو هلّق صار مفروض إندم على حس المسؤولية اللّي كتير بنات بتبرهنه.
وبذكر هوني وقت بلبنان تجرّئت مجموعة من النسويات إنّو تعترض على ذكورية الأغاني الـ”حديثة”، فكان رد أحد هالمغنّين، محمّد اسكندر، إنّو هاجم المنظّمات واتّهمهن بالبشاعة وقلّة الأنوثة، وإنّن لو لاقوا شباب يحبّوهن ما كانوا بيطلعوا هالقد معقّدين.
بس كل مرّة حدا بيقلّي “شكر”، أو “بنت بإير” عالطريق بتعزّى بفكرة إنّو أنا إلي ٥ سنين عم نمّي ثقتي بنفسي كمرا قوية، مش ربحانة جميلة أنوثتي ومش ناطرة إذن أولياء الذكورية تإنزل عالشارع. وأنا بطّلت بنت ١٨ قادرة لطشة تحطّمني… بس سيمينيا كانت بنت ١٨، وما بقي حدا بالعالم إلّا ونكّت وناقش اللّي بين إجريا وموقعها بالحياة.
أكيد طلعت بعض الأصوات النسوية والعابرة للجنادر اللّي حاولت تدافع عن حق سيمينيا بتقرير الهوية (مرجع) بس أكيد الصراع الكبير وإحتمال إنّو تنحرم من ميداليّتها وإنّها تنمنع بحياتها ترجع تلعب وفكرة إنّو قرطة رجال بيض يقرّروا هوّيتها الإجتماعية… كل هالعوامل كان إلها وقع كبير على كاستر، لحد ما انهارت أعصابها، اضطرّت تقفّي فحوصاتها والبعض حكي عن أفكار إنتحارية. (مرجع 1، مرجع 2)
واللّي زاد الطين بلّة إنّو أكتر الناس اللّي كان ممكن يدافعوا عن سيمينيا، زميلاتها بالركض اللّي بيعرفوا الضغط اللّي بتخضعله النسوة الألعاب الأولمبية، هاجموها وصاروا يركضوا تيأكّدوا اللتلتة الإعلامية وما طلع إلّا جيني ميدوز اللّي تجرّئت تنتقد الوكالة والأوساط الأولمبية للطريقة اللّي تعاملوا فيها مع سيمينيا والقصة كلّا سوا. (مرجع 1، مرجع 2)
بس كيف وصلنا لهون؟ ووين صار الغلط؟
بالمختصر المفيد، مشكلة سيمينيا مرتبطة بعدد من المشاكل الواضحة والمخفية. الجزء الواضح من القصة إنّو سيمينيا كانت عم تحقق نتائج هائلة، ومتل كتار من الرياضيّات، ما كانت القوالب التقليدية للأنوثة أولوية سيمينيا، فبطبيعة الحال، في كتير ناس برّرت نجاحها برجوليتها. وهون أوضح ارتباطات القضية بالسياسة. لحد سنة الـ١٩٩٢ كانت الوكالة بتفرض فحص لتأكيد الجندر على كل المشتركات بالأولمبياد، لأنّو بفترة الحرب الباردة كان عدد الميداليات الأولمبية دلالة على كبر البلد، وبالتالي كانت كتير من الدول بتحقن نسوانا بالتيستوستيرون.
بس لمّا طلبت الوكالة من سيمينيا إنّا تخضع لفحص تأكيد الجندر ما كانوا شاكّين بإنّا عم تغش، كانوا شاكّين إنّو تكون ثنائية الجنس (إنترسكس). وبرأيُن إنّو ممكن المستوى العالي من التيستوستيرون يكون عم يعطيها أفضلية غير عادلة ضد باقي العدّاءات. بس الفكرة إنّو معظم النقاش تمحور حول مظهر سيمينيا ودرجة استحقاقها لعرش الأنوثة، وما تم ذكر نسبة التيستوستيرون إلّا من باب المسخرة على هـ”البنت المسترجلة”.
والقلال اللّي حكيوا عن تأثير مستوى الهرمونات على أداءها، كتار منّن شدّدوا على إنّو نسب التيستوستيرون المذكورة مش ممكن تأمّن لسيمينيا أفضلية ظالمة، وبدليل إنّو رجع الإتحاد سمحلها تتنافس مع النساء.
وما زالنا عن نحكي عن أفضليات غير عادلة، ليش ما منحكي عن أفضلية الجنسية. أنا بالزمانات كنت أركض وحتّى إنّو إطلع عندي ميدالية زغيرة، نسبة لإنّو ما صرلي إلا سنة وحدة تدريب، وإنّو ما كان عندي حذاء ركض، كنت إركض بصبّات بلاستيك. بس أكيد لمّا غيّرت مدرسة بعد سنة، وقّفت ركض لأنّو مدرستي الجديدة ما فيا نظام تدريب عالركض. فمع إنّي كنت مهووسة بالركض، ما كان ممكن بالنسبة لبنت لبنانية من الطبقة العاملة إنّو تتدرّب. لو كنت أنا بنت أوروبية أو أميركانية، كانت ممكن القصة تتغيّر، شو يعني؟ يعني إنّو الأوروبيي والأميركان عندن أفضلية غير عادلة مقارنة بأهل العالم التالت، فلمّا بدّن يحكوا عن الأفضليات، ليش ما بينظروا لأفضليّاتن؟
بس ما فينا نمنع النّاس تحكي، ولو فينا مش لازم يكون هدفنا. عتبنا فعلياً عالإتحاد الدولي لألعاب القوى، هنّي اللّي بموقع مسؤولية، بتوقع على عاتقهن مسؤولية حماية خصوصية سيمينيا. ما بعرف كيف تم تسريب المعلومات عن إجبارها للخضوع لفحص تأكيد الجندر؟ وما بعرف كيف معقول إنّو ما تم تحديد مين سرّب المعلومات للصحافة، أو إنّو ما تمّت محاكمة الإتحاد للضرر النفسي والمادّي لسبّبوه لسيمينيا. والأسوأ إنّو كمان لمّا طلعوا نتائج الفحوصات، كمان مرّة تسرّبت النتائج للإعلام.
وهون كمان ممكن نحكي عن جهل عنصري لواقع كاستر. بالنهاية بالوقت اللّي كانت قضية سيمينيا بنص معمعة تأكيد الجندر، كان غيرها عم بيخوض معركة قضائية أمَر، محاكمة قتلة سيميلاني، قائدة الفريق الجنوب أفريقي للفوتبول، يلّي قبل بسنة تم إختصابها بشكل جماعي وطعنها ٢٥ طعنة، ليش؟ إغتصاب تصحيحي، يعني لمّا بيشك البعض بإنّك سحاقية أو في شي غلط بدرجة أنوثتكِ، بيغتصبوكِ تيشفوكِ، لأنّو إنتِ أكيد مش ملاحظة روعة إنّو يجبرك رجّال إنّك تتلقي ثمرة جنسانيته (مرجع). بيشتهر الجزء الجنوبي من أفريقيا بهالممارسة الشنيعة، بس فعلياً هيّي منتشرة بكل العالم، اللّي حاضر فيلم “غود بويز دونت كراي” بيعرف عن شو عم بحكي.
هلّق سيمينيا خلّصت من هالخطر، بلدها استقبلها استقبال الأبطال مع عودة البعثة الأولمبية. بلدها بيفتخر فيها، وهون السؤال بيبقى، ليش نفس المجتمع اللّي قتل سيميلاني احتفل بسيمينيا كبطلة وطنية؟ يمكن لأنّو سيميلاني كانت مثلية رافعة راسها بإختلافها، بينما سيمينيا ما بحياتها جذبت الإنتباه لحياتها الشخصية. أو يمكن لأنّو المعتدي على سيمينيا كان أوروبي أبيض، بالوقت اللّي المعتدين على سيميلاني كانوا أفارقة سود.
ما حدا بيعرف، بس اللّي منعرفه إنّو سيمينيا طول عمرها كان عندا طموح، ولمّا كانت زغيرة كانوا أهلها يشجّعوها، بحسب بعض المصادر، بيّا هوّي الجندي المجهول بقصة سيمينيا، هوّي الرجّل اللّي وراء الإمرأة العظيمة. مع إنّو المجتمع كان دايماً يدل على سيمينيا ويمزح، ولا مرّة أهلا جبروها تغيّر شكلها، ودايماً كانوا يشجّعوها تتخطّى الحواجز الإجتماعية تتوصل مطرح ما بتحلم توصل.
ومن ناحية تانية، جزء كبير من الإنتقاد لـ”أنوثة” كاستر كان على أساس مظهرها، شي مرّة سامعين بفكرة إنّو كل الصّينيي بيشبهوا بعض؟ السبب هوّي الفوارق الإثنية/الثقافية. اللّبناني اللّي بيربى بالصين ما بيشوف كل الصّينيي متل بعضن. ولمّا الأوروبيي بيجبروا بنت أفريقية تخضع لفحص تحديد الجندر بناءً على إنّو شكلها ما عجبن ولأنّا أبهرت العالم بسرعتها… أكيد رح نشم ريحة عنصرية، لأ؟
وللأسف، ما كتير انطرحت الأسئلة اللّي مفروض هيك وضع يطرحها. متل مثلاً معضلة النظام الثنائي للجندر. بالنهاية فحوصات تأكيد جندر سيمينيا استغرقت حوالي السنة. مع إنّو الإتحاد الدولي لألعاب القوى كان مبدئياً عتلان هم إحتمال يكون مستوى التيستوستيرون عالي بشكل مش عادل، بس فعلياً اضطرّت كاستر تخضع لمجموعة واسعة من الفحوصات البدنية والنفسية لتحديد الجندر.
مع إنّو البعض كان عم بينكّت إنّو كاستر مش بنت، بس إذا كانوا مستويات التيستوستيرون عالية مش يعني إنّو سيمينيا صبي. بيقدروا جماعة الإتحاد الدولي يعملوا كل الفحوصات اللّي بدّن ياها، ويدّعيوا الإحتراف المطلق ولكن شاء من شاء وأبى من أبى، الطبيعة آخر همّا نظامنا الجندري الثنائي، وما في حد فاصل بين الرجال والمرا. وبالتالي الفصل على أساس الجندر هوّي فكرة غبية. بالألعاب الأولمبية بيفصلوا بين الرجال والنساء بشكل أساسي لأنّو المرا مش ممكن تنافس الرجال بالرياضة البدنية، بمعنى تاني، الألعاب الأولمبية مجهّزة للصبيان مش للبنات. الفكرة بحد ذاتها مزعجة ما هيك؟
بالنهاية، انسمح لسيمينيا ترجع تتنافس مع النساء ورجعت عودة العمالقة للمنافسة ورجعت تكسح الساحة بسهولة. للأسف، ومتل ما قالت جيني ميدوز، شبح تأكيد الجندر رح يضل يلاحق سيمينيا طيلة مسيرتها الرياضية، رح تضلّ الصبايا بدلّ عليا وتتمسخر. سيمينيا من أبطال التحرّر الجندري غصباً عنّا، بحياتها ما كان بدّا تكون مثال على ليونة الجندر.
ويمكن اللّي لازم نتذّكروا هوّي إنّو نحنا كناس خارجات/ين عن أطر القوالب الإجتماعية والجنسية، إنّو سيمينيا مش منّا، هيّي مش من “الكوميونيتي”، ويمكن أسوأ شي ممكن نعمله بيكون إنّو نقعد نتحزّر إذا هيّي “بتحب البنات ولّا لأ”، قضيّتها بتتشارك مع قضيّتنا بالقمع الذكوري لمفهوم الأنوثة، لا أكتر ولا أقل.
وهون خلّينا كلنا نكرّر دعوة فليب فلوبينغ جوي (مرجع) لنضوّي شموع ونصلّي ونغنّي وإرسال كل ما عنّا من الحب لسيمينيا…
بقلم غلامة
Leave a Reply