فتاة المعبد الفرعوني
268 views
حينما أسندت رأسي الى الوسادة، مر طيفها أمام عيني… لم أكن أدري متى يسمح القدر لي بلقائها مرة أخرى، لكني كنت واثقة من لقاء أخر، جاهلة التوقيت الزماني والمكاني. بعد أيام أو سنوات، شهور أو ساعات، ربما أصادفها تتجول فى مدينتي أو تنادي باسمي فيما أتسكع في طرقات مدينتها… ربما نلتقي في مدن الشتات والغربة.
قد أكون لا أحد بالنسبة اليها… مجرد فتاة قابلتها فى الطرقات. لكنها بالنسبة الي، أميرة أحلام اليقظة والمنام .
في الأمس شعرت باقتراب اللقاء، أسندت رأسي الى الوسادة، واحتضن طيفها يدى. ركضت معها في الطرقات، وصلنا إلى البحر أو المحيط، سقط جسدانا على رمال الشاطئ. حاولت التفكير فى كلمات، لكن من دون جدوى.
أزيز ناموسة حول رأسي أيقظني. نظرت من حولي، لم أجد الشاطئ ولا الرمال. أدركت أنني مازالت سجينة الجدران الوردية التي تبعد مئات الكيلومترات عن البحر والاف الأميال عن المحيط.
ما الذى يحدث لي؟ هل أحببت ساحرة شرقية ؟ تطوف المدن فوق عصاها السحرية؟ وددت الهروب إلى بيت جدتى العتيق، وددت أن تفتح لى أبوابه الخشبية العالية.مازال أنفي يتذكر رائحة بخور الجدة، وترن في أذني تكبيرات صلوات الجمع وترانيم الآحاد. كم أشتاق إلى الاختباء في حجر جدتي. لكن في لحظة صدق مع ذاتي، أعترف أن حبك هو الحقيقة الوحيدة الأكيدة بالنسبة الي في هذا العالم.
أحبك. كلمة مكونة من أربعة أحرف، قد تمضي أشهر أو سنوات أو عقود، قبل أن تسمع أذنك تلك الأحرف تخرج من شفتي. لكن هل يكون هذا الحب مصدرا لسعادتك ؟ حب بلا سعادة مثل سفينة بلا مرسى… سفينة هائمة وسط العواصف. حبي مثل ترياق سحري يمحي علامات الألم المرسومة على وجهك، أو بساط سحري يحملك بعيدأ عن مدن الموت والعذاب.
ترتفع أصوات من منزل الجيران. رجل يأمر أمراته باعداد العشاء، فتبدأ بالشكوى من إزدحام الحافلة والتسوق والعمل وطلبات الأولاد. يأمرها أن تصمت لكنها تستمر في الشكوى. تعلو أصوات مختلطة… صفعة ولعنة وأنكسار مزهرية، ثم صوت الباب وتختفي الأصوات.
لا تقلقي محبوبتي، علاقتنا مختلفة. سأكسر الثالوث الفرعوني المقدس، لن يكون هناك أب أو ولد. لن أطلب منك أعداد طعامي أو تنظيف حجرتي أو غسيل ملابسي. لا أريد حبس روحك البرية فى جسد جارية أو خادمة. أحترق إلى جسد أميرتي المقدسة المتحررة من قيودها الملكية وملابسها الحريرية. لا تخجلى من آثار المسامير المدقوقة فى جسدك، لازال الصليب منتصبا منذ صلب المسيح. أكشف عن جسدي وأشير إلى آثار الطعنات، ثم أحي لك قصة كل طعنة وركلة وصفعة. تمتزج الألام بالضحكات، نحارب يأس الواقع والعادات والتقاليد بابتسامات الأمل و قهقهات السخرية. أحكي لك عن جدتي وأمي ومعلمتي وبعضا من حكايات عشاقي الأغبياء. لن أنسى الفقيه والمدير والزعيم والعصي. أحكي مثل شهرزاد تحاول ابعاد السياف وسيفه عن أعناق النساء. سأحكي عن جدتي والبادية، وكيف سجنها حصان جدي الشريف فى حواري المدن . أطرق وجهي إلى الأرض وأبوح لك بسر عائلتي… لقد وهبت جارية لقيطة لكل بيت من بيوت أشراف العرب. كانت الشريفة بنت الحرة، لكنها ولدت فى سوق النخاسة. آه من الجواري والعاهرات! وهذا الحب المشروط برغيف خبز وبضع تمرات أوقيود حريرية.
لا أومن بهذا الحب الأبدي، أنا المشردة مثل جدتي فى حواري مدن الشرق والجنوب. لا أرغب في استجداء الحب ولا الخبز ولا التمرات. أمام عينيك أمزق ثوب الجارية الحريري وأكشف عن جسد نحتته أسنة الرماح والسيوف. أقسم بهذا الجسد المشوه بالطعنات، على أن أرحل بعيدا حينما يتوقف هذا الحب، أو حينما تعجز كلماتي عن رسم البسمة فوق وجهك. لا أراك ملاكا أو قديسة، بل امرأة تتجول في الطرقات، تحمل قلب أميرة وعقل فليسوفة وجسد فتاة من فتيات المعبد الفرعوني. امرأة رفضت أن تكون عروسا للنهر المقدس، فسجنت بين الجدران.
في تلك الليلة، إبتسم طيفك وكتب على الحائط ” إن هدم الجدران هو الطريق إلى الخلاص”، لكن هذه الأرض مازالت مصابة باللعنة الأبدية، وكلما نجحت فى إزالة جدار، أنبتت الأرض جدرانا جديدة.
-Contributed By Nag
Leave a Reply