عن “هوموفوبيا” الأماكن المثلية
3,477 viewsبمناسبة الاحتفال بمرور عشر سنوات على انطلاق النشاط المثلي في لبنان، عملت “بخصوص” على تلخيص تجربة عشر سنوات من ارتياد الأماكن والحانات المثلية في لبنان. وكان ما يلي!
تكثر في الاونة الاخيرة الأماكن التي تستقبل المثليين المعروفين حبهم للسهر والتلاقي ، وهي عادة ما تكون حانات ليلية و مقاه صباحية، أي أنها أمكنة عامة شعبية مهملة صباحا، و مناطق حمراء ليلا. ولكل من هذه الأماكن، هوية أو صبغة معينة تعبر عن ” اسلوب حياة” مثلي، فمنها المختلط بين المثليات والمثليين، ومنها ما شاء القدر والاقتصاد ان يكون روادها من صبغة واحدة. ويمكن القول أن هذه الأمكنة هي جزء لا يتجزأ من تكوين هوية كل ما هو مثلي، وخصوصا ان غالبية المثليين “يصبحون” أو يعلنون كمثليين بشرط حضورهم اليها. ففي وجود قانون يجرم المثلية ويعتبرها “علاقة ضد الطبيعة”، يصعب على المثليين غير الناشطين في مجال حقوقهم الانسانية التعبير عن مثليتهم في الحيز العام، حيث هناك مبرر قانوني لرهاب المثلية. وبذلك، يصبح حضور هؤلاء الى مثل هذه الأماكن أحد شروط ” اعلان المثلية” وبالتالي، يصبح الليل الوقت المثالي لعيش هذه الهوية المثلية.
واذا أردنا ان نفترض ان المكان المثلي هو المكان الذي يستطيع فيه المثلي أو المثلية ممارسة مثليته/ا، يمكننا عندها ان نفترض ان أية غرفة تشهد علاقة جنسية مثلية هي على لائحة هذه الأماكن، كما يمكننا ان نفترض أيضا أن أي مكان سواء كان عاما أو خاصا، هو مكان مثلي طالما أن فيه ممارسات مثلية سواء كانت جنسا ام غزلا ام مجرد رغبة بالقيام بالأمرين. غير ان هذه الافتراضات نبدو ضعيفة في ظل وجود المادة ٥٤٣ التي تجعل من أي مكان تحصل فيه ممارسة (جنسية بالتحديد) مثلية، موقع جريمة. اذاً، الحانات والشوارع والبيوت والمصاعد والحمامات التي تشهد علاقات جنسية مثلية، هي مواقع جرائم! وفي هكذا مواقع، التي عادة ما يفترض أنها غير آمنة، قد يقع كل ما يخاف منه المرء. وبالتالي، يصح القول ان احدى الحاجات الأساسية لأي مكان “مثلي” في لبنان، هي نفي صفة الجريمة عنه، اي قدرته على احتواء المثليين بقدر ما يبغي الربح المادي منهم، من دون ان يتحول الى موقع جريمة يعاقب عليها القانون، وهذا أمر في منتهى الذكاء من جهة، وفي منتهى الخطورة من جهة أخرى.
ليس من جدل ان الأماكن التي تستقبل المثليين وتؤمن لهم كل ما يرغبون به من موسيقى وكحول وأجواء لطيفة، هي أماكن لا تؤمن فقط بضرورة مساندة المثليين للترفيه عن أنفسهم والتعارف، بل تهدف أيضا الى الربح المادي الناتج عن ذلك، وهنا الذكاء والدهاء، في تحويل “موقع جريمة مفترضة” الى مجرد حانة للمثليين، من دون ان يشعر رواد هذه الحانة بأنهم أفراد خارجون على القانون. غير ان خطورة هذه “الخطة” الذكية، تكمن في ظهور وترويج تصرفات وأحكام تساهم في تغذية رهاب المثلية التي تشكل السبب الرئيسي لمعاناة عشرات الآلاف من المثليين والمثليات في لبنان.
وهنا يبرز سؤال: كيف يمكن للمكان الذي يستضيف المثليين، ان يكون مكانا، يغذي كذلك رهاب المثلية؟
من الواضح ان الهوية المثلية وأسلوب الحياة المثلي هما أمران في غاية التعقيد. فالهوية المثلية يُعبر عنها في اشكال متعددة، ويضطر المرء الى خوض صراع مرير في ما يتعلق بابراز او اخفاء الهوية الجنسية المثلية، في ظل حال مستشرية من رهاب المثلية ولائحة الشروط التي يضعها “الاخر” لقبول أو رفض المثليين. فمثلا، حانات المثليين التي تهمش وترفض استقبال المثليين من الرجال الذين لا يتمتعون “بالرجولة”، هي حانات ترفض القبول والاعتراف بفئة كبيرة من المثليين، وتعيد انتاج الأفكار التي تربط “المؤنث” بما هو دوني ومرفوض. كما ان النوادي الليلية التي تستقبل “جميع انواع المثليين والمثليات” تحت سقفها وتوظف في الوقت نفسه “رجال أمن” لمنع تبادل القبل بين الرجال او النساء (اللواتي لا يكن من النوع الذي يفضله رجال الأمن!) وتستقبل العديد من “المغايرين” من الرجال الذين يقومون بالتعدي على المثليات الحاضرات والمتحولات جنسيا (المحظوظات اذا ما تم ادخالهن الى المكان من دون ان تتوفر لهن أدنى شروط الحماية و الاحترام)، هذه النوادي التي تدعي “ايواء المثليين”، هي في الواقع تروّج لرهاب فئة معينة غير قليلة من المثليين الذين “لا يخدمون” مصلحة هذه النوادي، كما تغذي الشرخ القائم بين المثليين أنفسهم، بين مثليين كما يحبذهم المجتمع، ومثليين كما هم.
ما نقوله هنا، هو أن على المثليين وأصحاب الحانات من المثليين والمغايرين، الانتباه الى أن الليالي التي يجري احياؤها هي ليال تشهد أمورا أعمق من مجرد “سهرة”، أمورا تدخل في نسيج المجتمع المثلي وتعكس أزمته. كما على الاماكن التي يرتادها المثليون، ان تعترف وتقبل وتحتفل بكل اشكال وانواع وألقاب المثلية، وان توفر مساحة آمنة لا من شر القانون فقط، بل ايضا من شر رهاب المثلية لدى المغايرين، ورهاب المثلية لدى بعض المثليين أنفسهم، الذين يعتبرون أنهم “المثليون الصحيحون” وأن غيرهم ممن “لا يتمتع بمواصفات محددة” يجب أن يتم رفضه والغاء وجوده.
هنا نقول، مخطئ من المثليين والمغايرين، من يعتقد ان هناك صورة واحدة للمثلية، او شروط محددة للتعبير عنها. فالمثلي الذي يرتاد الاماكن المثلية للسهر بحرية، هو مساو للمثلي الذي يرتاد الاماكن العامة ليلا للبحث عن ما يشبع رغباته، أمام عيني ضابط الشرطة الذي لن يفرق رهابه ضد المثليين بين من يرتدي “برادا” ومن يرتدي جينزا مهترئا. ومخطئ من المثليين من يعتقد ان الفتاة “المسترجلة” لا يحق لها البحث عن صديقة أو شريكة في أماكنهم، ” لأنو شكلها كثير رجال”. ومخطئ من المثليين من يعتقد ان الحانة التي يرتادها المثليون “الطنطات” لا تليق بواقعهم الاجتماعي، لأن “الطنطات” هي أولا كلمة تعبر عن مجموعة من النساء، وثانيا لأن ” الطنطات” يحملون الصلبان عن الرجال المثليين ال ” السترايت لوكينغ” أو “المكتملي المظهر الرجولي”. ومخطئ من المثليين من يقبل بأن تصبح هويته الجنسية مصدر ربح مادي لأماكن تدعي قبول المثلية، وتمارس رهاب المثلية في الوقت عينه.
Leave a Reply