أستاذ الأدب والمثلية البلا أدب

1 Star2 Stars3 Stars4 Stars5 Stars (6 votes, average: 4.67 out of 5)
Loading ... Loading ...

2,660 views

لم يكن ذلك اليوم مجرد يوم عادي كغيره من أيام تلك السنة الدراسية. دخلت قاعة المحاضرات يومها برفقة صديقتي، وكانت الحصة المقررة هي حصة اللغة العربية كنت أنتظرها بشوق وشغف. كيف لا وأنا أحب  هذه اللغة و أعشق الغوص في بحورها الأدبية العميقة.b_classroom

جلسنا بعدها ننتظر دخول الأستاذ الذي كنت أحبه جدا و أكن له الاحترام والتقدير للطفه و اخلاصه في عمله، قبل ذلك اليوم.

كان حضوره محببا جدا، والبسمة لا تفارق شفتيه، وفي الوقت ذاته كان صاحب هيبة آسرة و وقار شديد.

قبل بدء الحصة، و قف أمامنا لوهلة على غير عادته، موزعا نظراته علينا و كأنه يبحث عن شيء ما :”سأطلعكم اليوم على موقف حصل معي هذا الصباح. لقد وزعت علينا استمارات لنقوم بملئها، نحن أي الهيئة التعليمية، وكانت تتضمن أسئلة من نوع: ما رأيك بالمثلية الجنسية؟ وهل تتقبلها في مجتمعك؟”

ساد صمت رهيب في القاعة.

ثم تابع: “هل تدرون ما هي المثلية الجنسية؟ انها اللواط أي فعل قوم لوط أي الشذوذ! تخيلوا يا أعزائي انني وقعت في الفخ، نعم! وبدل أن أرمي الورقة في وجه من سلمني اياها، رحت بكل سذاجة أجيب عن الأسئلة! صحيح أنني وضعت “لا” عريضة في جميع الخانات، لكن هؤلاء الخبثاء نالوا مرادهم مني وحصلوا على اعتراف ضمني بوجودهم عبر ملئي الاستمارة!”

كانت تلك المرة الأولى التي أراه منفعلا وغاضبا بهذا الشكل. فقد بدا وكأن ذلك الشريان في جبينه على وشك ان ينفجر!

وتابع يصرخ بحقد: “انهم حيوانات حقيرة و مريضة لا تستحق منا أن نذكرهم أو نعطيهم أي شأن!…المثلية…بات للشذوذ مصطلح جديد!”

يومها، كنت أبلغ من العمر 16 عاما، ولم تكن مثليتي واضحة تماما، حتى أمام نفسي. لكني لم أدر لم سرت في جسدي تلك القشعريرة. كنت أود أن أناقشه، وأن أسمعه صوتي فقط لأقول :”لا يمكنك أن تعمم الأحكام على الناس بهذا الشكل! ولا يجب أن تحكم عليهم بقسوة لمجرد كونهم مثليين!”.

لكنني لم أمتلك الجرأة لأقولها. بقيت صامتة أنصت لذلك الهراء المقدس، أنا وجميع من حضر، فتيات وشبان. الكل صامتون منصتون لمحاضرة “الأخلاق والطهارة” التي من المفترض أن تبث فينا الوعي و الحكمة. لم يكن ذلك الأخرق يدري أن – على الأقل – كان في القاعة ثلاثة مثليين!

هم بحسب رأيه غير موجودين في مجتمعنا. “هم فئة مدسوسة من اللوبي الصهيوني الذي يريد أن يدمر مجتمعنا العظيم، بنشر هذه الحيوانات الفاسدة بين شبابنا وشاباتنا”.

غادرت القاعة يومها مشوشة البال و الوجدان، فقد كانت مشاعري خليط من الحزن والغضب. ربما كان غضبي من نفسي أكبر من غضبي منه. كم كنت أتمنى لو استطعت الوقوف أمامه والتكلم عما بداخلي من أفكار بحرية.

لم يكن أحد منا يومها يملك الجرأة لانتزاع الكمامة التي ألصقها المجتمع على أفواهنا.

لم أعرف يومها لمَ لم أقف أمامه كعادتي لنتناقش ونتحاور. هل صدمني طرحه الموضوع بأسلوب عنيف؟ أم أنني أيضا في مكان ما في نفسي لم أرغب في خسارة الهالة التي منحني اياها “التلميذة المثالية-القدوة الاجتماعية”؟

خمس سنوات مرت على ذلك اليوم، وقد تغيرت أمور كثيرة في نفسي ووجداني وعقلي. حتى أن محيطي لم يعد مثل السابق.

لكن الأمر الأكيد الذي تغير هو أنني لن أسمح أبدا مجددا لأي أخرق أن يفرض رأيه علي، أو أن يطمس كياني و يلغي شخصيتي بكمامة المجتمع تلك.

Contributed by Cat

Guest Contributor

Leave a Reply